صبحة بغورة تكتب: ضبط النفس في بوتقة نار الغضب

أن نتعرض في حياتنا اليومية إلى العديد من المواقف التي تثير أعصابنا وتخرجنا عن طورنا، فذلك أصبح من السلوكيات الإنسانية النمطية التي تلازم الكثير من الأشخاص عدة مرات في اليوم الواحد.

ولعل في حياتنا المعاصرة الكثير من التناقضات التي تخالف الطبيعي من الأمور أو تتجاوز المعتاد من الشؤون أو تنحرف عن جادة الصواب وكلها تؤدي بالذين يتأثرون بسهولة للتعبير سريعا عن اعتراضهم على تصرف ما أو عن رفضهم لموقف معين في كلمات ثقيلة المعنى بشكل متشنج وحاد جدًا، وبصوت عالٍ ليقعوا بذلك في فخ بوتقة نار الغضب.

الغضب شعور ينتابنا جميعا في لحظة نحتاج فيها أن ننفس عن مكنونات طاقة سلبية مسيطرة بسبب انفعال معين، ويكون التنفيس بعدة أشكال قاسمها المشترك هو التغير الكبير الذي يطرأ على الحالة النفسية والعقلية والسلوكية والعاطفية للشخص الذي تراه وهو يقع تحت تأثير هذا الانفعال يعاني من التحول الكبير في مشاعره في صورة شحنة من الكراهية، أو بعدم التقبل المزاجي لمواصلة التعامل مع الشخص مصدر الإثارة، وبسيطرة الأفكار العدائية تجاهه، أو بالميل الشديد نحو البحث عن السبل الانتقامية منه.

وكثيرًا ما يفقد الشخص الذي يعاني من تأثيرات نوبة الغضب، القدرة على تمالك نفسه وهدوء أعصابه، كما لا يكون في لياقة ذهنية تسمح له بالتفكير السليم أو بالقدرة على أداء عمل دقيق يحتاج إلى مهارة يدوية؛ حيث قد تتملكه هزة عصبية تجعله غير قادر على التحكم على ثبات أطرافه.. إنها أعراض شائعة ولكنها تتفاوت من شخص لآخر على حسب شدة المؤثر ونوعه ونفسية الشخص المتأثر في ذلك الظرف، فالطبع الرزين والثبات الانفعالي الأصيل قد يكبح نوعا ما من قوة تأثير نوبة الغضب على نفسية الشخص.

المعضلة تكمن في كيفية مواجهة أصحاب الطباع الصعبة، وفي نفس الوقت تجنب الغضب!

بالتأكيد هناك أمور تجعل أعصاب الإنسان تفلت ويغضب، فالغضب مثل بقية المشاعر التي تخالج الشخص مثل السعادة، الحزن، والغيرة.. بمعنى أنه صورة للتعبير عن ما نشعر به ومن الأهمية عدم كبته، على أن يكون ذلك من أجل التنفيس عنه ولكن بالطريقة والكيفية الصحيحة، أي بدون أن يستبد الغضب بالشخص فيفقد عقله ويصرخ ويضرب.

وعند الأطفال يمكن أن يكون الغضب طبيعي بل ومفيد، فعندما يعامل الأطفال بصورة غير عادلة أو يشعرون بأن الأمور لا تسير على هواهم أو أنهم تعرضوا لحكم جائر أو تم تحميل أحد منهم مسؤولية شيء لم يفعله؛ فإن غضبهم في هذه الحالة يساعدهم كثيرًا في الاعتماد على أنفسهم للدفاع عن مصالحهم ونيل حقوقهم.

اقرأ أيضًا: «دار فان كليف أند آربلز وفن جدّة 21،39» للسنة السادسة على التوالي في السعودية

في العادة، ينبئ الجسم شعور الشخص بالغضب عندما يتنفس بصورة أسرع من المعتاد، ثم يميل الوجه للحمرة وتظل قبضتي اليدين مطبقتين بشدة مع شد في العضلات، وتتملك الشخص رغبة قوية في الصراخ فيمن حوله، ومع ذلك هناك من يكتمون غيظهم ولا يبدون غضبهم، ولكن مثلهم سرعان ما يصيبهم صداع وألم في المعدة وربما نظر بعضهم إلى نفسه في المرآة وبكى، فليس من المفيد أن يخفي الشخص غضبه، وعليه أن يعثر على سبيل لتفريغ شحنة مشاعره السلبية دون أن يؤذي نفسه أو يضر الآخرين.

ومن السهل معرفة كيف يكون الشخص غاضبًا، لأنه سيعمد حينها إلى الانصراف بسرعة أو التوقف عن الحديث إلى من حوله، وقد يصبح هادئًا أو منطويًا على نفسه، بعض الأشخاص يعمدون إلى الصراخ ويحاولون ضرب أو إلحاق الأذى بمن هم يجاورونه، وإذا ما استبد الغضب بشخص ما إلى هذا الحد فعلى من حوله الابتعاد عنه بأسرع ما يمكن، ثم محاولة معرفة سبب نوبة غضبه، وعندما يهدأ، تجري محاولة التحدث إليه بشأن المشكلة والاستماع جيدًا إلى ما سيقول.

إن فقدان السيطرة على الأعصاب والتنفيس عن الغضب بما يلحق الأذى بالآخرين لا يحل شيئا، والأجدى أن يعترف الشخص بأنه في حالة غضب وأن يحاول معرفة سببه وماذا يمكنه أن يفعل لاحتواء الحالة وضمان عدم تكرارها، فالدروس صعبة الفهم على أحد التلاميذ؛ ليست مدعاة لتمزيق الدفتر وتقطيع الكتب بل اللجوء إلى طلب المساعدة من المدرس أو الوالد.

من المفيد أن يتحدث الشخص حول غضبه إلى إنسان بالغ، فذلك يجعل المشاعر تتلاشى بالتدريج، وعلى الشخص سريع الغضب أن يلجأ إلى ما يلهيه عن المثيرات السلبية كالاستعاذة بالله وقٍراءة القرآن الكريم، وأن يتحدث إلى صديق يثق فيه، أو أن يضرب الأرض بقدميه ويضرب أيضا الوسادة لأن المخدة تتأثر بالضرر، أو أن يلعب لعبة فيديو، أو يردد أغنية يفضلها أو أن يقوم بتمارين رياضية مثل الركض.

تصف الأوساط الطبية الغضب بأنه "أبو الأمراض"، حيث يترافق معه تغييرات كيميائية تؤدي إلى أمراض قلبية وباطنية، أما الآراء النسائية فتنقسم بين من ترى أن عدم تقدير المرأة ومراعاة وضعها وظروفها كفيلان بإغضابها، وتعتبر أخرى أن تدخين الزوج أسوأ ما يستفزها وتغضب عندما لا يستجيب.

وهناك اعتراف صريح بأن المرأة هي الأسرع غضبا والأكثر استفزازا خاصة إذا كان الزوج بخيلًا وغير رومانسي وصاحب علاقات غير بريئة خارج إطار الزوجية، فثمة تشتعل نار الغضب، هذا بالإضافة إلى الدوافع التقليدية لغضب المرأة من الرجل مثل الشك والخيانة والتقصير العاطفي والنفسي وعدم المساهمة في تحمل مسؤوليات المنزل والعنف الأسري.

وتؤكد طبيبات أن بعض الاضطرابات الهرمونية قد تؤدي بالمرأة إلى الغضب مثل الدورة الشهرية أو استخدام بعض أقراص منع الحمل أو في بداية سن اليأس، وتذهب بعض أراء الرجال إلى اعتبار أن المرأة عادة كثيرة الكلام والرجل يستفزها بصمته أو ببرودة أعصابه، وقد يكون الفراغ الذي تعيشه المرأة في بعض الأحيان كفيل بالتشنج والغضب؛ حيث ترفض أن تكون حالة استثنائية، وبعض الآراء المعتدلة تصف المرأة أنها بنك الحب والرحمة التي تفيض بها على الزوج والبناء، إلا أن هذه المرأة بشاعريتها وشفافيتها يجعلها أسهل غضبا من الرجل نظرًا لتكوينها النفسي والبيولوجي وما يعتريها من تغيرات هرمونية.

وتكمن المشكلة في اختلاف إيقاع حاضر الحياة عن ماضيها، فأزواج اليوم يفتقدون الصبر على غضب الزوجة وبعضهم يعمدون إلى ضربها ويدرج تصرفه تحت بند الرجولة، في حين أن المرأة لا تبحث سوى عن الشعور بالأمن مع رجل كان بإمكانه وهو صاحب القوامة احتواء انفعالات المرأة، وأن يكون معلوما أن المرأة الصالحة المؤمنة قد تغضب على زوجها وغالبا ما يكون ذلك بسبب الغيرة التي تكون نابعة عن الحب الشديد.

وللمؤمنين في السيرة النبوية الشريفة القدوة والأسوة الحسنة في كيفية احتواء سيد الخلق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لغضب إحدى أمهات المسلمين عندما غارت بشدة من أخرى باحتوائه للموقف بكل رجولة واقتدار ومودة ورحمة. ويعتبر الغضب لونا من ألوان الطاقة النفسية الطبيعية التي تتخذ لها مظهرًا مناسبًا لكل سن وجنس، ولا يمكن اعتبار الشخص الذي لا يغضب مطلقا شخصا سويًا أو على الأقل عاديا، ولكن من الحق القول بأن ضبط النفس عند الاندفاع بعوامل الغضب بطولة لا يستطيعها إلا من هو قوي الإيمان، عالي الهمة شديد الإرادة.

ليس من السهل إذا غضب الإنسان أن يضبط نفسه ويكف غضبه ويكظم غيظه وأن يمتنع عن الانتقام ممن أغضبه، فليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، فالغضب مفتاح كل شر لأنه يورث العداء ويعمق الأحقاد التي تكدر صفو الحياة، وحتى إذا أدرك الإنسان أنه يملك الحق فإن انفعاله قد يقلب الحق عليه وإنما لابد من الصبر والتريث مع من يشعر المرء أنه محق في أمر من الأمور، وقديما قيل: إياك وعزة الغضب ، فإنها تفضي إلى ذل الاعتذار.

ومن الغضب ما هو مذموم منه وما هو محمود، فالمذموم ما كان في غير حق، والمحمود ما كان غضبة لله وفي جانب الدين والحق، والناس يتفاوتون في قوة الغضب على درجات:

الأولى: التفريط، بمعنى من لا حمية له، ولا يثمر سوى الذل وصغر النفس وضعف الغيرة. الثانية: الإفراط، ويكون بغلبة الغضب وفقدان البصيرة والابتعاد عن سياسة العقل وأصول الدين. الثالثة: الاعتدال، وهو المحمود ويكون حيث تجب الحمية والأنفة، وينطفئ بحسن الحلم.

كما يختلف الناس في موضوع الغضب بين أربع أصناف، هم: صنف سريع الغضب سريع الرضى؛ وهو من لا يحسن إدارة ذاته ونفسه وهذا الصنف مؤذي في التعامل لأنه بكلمة واحدة يهيج وبكلمة أخرى يهدأ ويرضى، مزاجه متقلب.

صنف ثاني بطئ الغضب بطئ الرضى، لا يغضب بسرعة ولكنه إذا غضب يقاطع الطرف الآخر مدة طويلة.

أما شر الناس فهو سريع الغضب بطئ الرضى؛ إذ يغضب لأي شيء ولا يرضى بسرعة ولا يقبل أي اعتذار أو تأسف على خطأ.

صنف آخر بطئ الغضب سريع الرضى، وهو خير الناس فالحلم والحكمة صفته ولا يمنع ذلك من غضبه بحكم طبيعته البشرية، ولكنه إذا غضب سريع الرضى عندما يعتذر إليه.

عموما فإن الغضب من الشيطان، والشيطان من النار، وإذا اشتعلت نيران الغضب وهاجت رياحه فإنه يعالج بالتعوذ بالله وأن يتذكر المرء قدرة الله تعالى عليه، وحاجة العبد إلى عفو ربه ويذكر ثواب العفو وكظم الغيظ وسعة الصدر، وأن يدرب نفسه على مكارم الأخلاق، وأن يلجأ الغاضب إلى الهدوء التام وعدم إطاعة النفس في ميلها لتفسير الحدث تفسيرًا سلبيًا يزيد من الإثارة كأن يعتبر الأمر تهديدًا بغير سبب واحتقارًا بدون داع، ومن الحكمة أن يعرف المرء ما يجب أن يتجاهله.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: قواعد إتيكيت جديدة فرضتها الكورونا على المجتمع