صبحة بغورة تكتب: تأخر الكلام عند الطفل وعسر النطق.. أسبابه وعلاجه

يتوق كل والدين إلى تلك اللحظة التي ينطق فيها ابنهما الكلمتين الأشهر في العالم عندما يناديهم "بابا، ماما"، فهما أول من يرى في الوجود؛ حيث يبدأ في النمو والتطور وتبدأ حركاته الأولى وابتساماته وانفعالاته واستجاباته، حينها تغمر السعادة أفراد الأسرة والبيت بكامله، فتراهم يسارعون إلى مناغاته لحثه على تقليد أصواتهم.

تأخر الكلام عند الطفل

المنزل والوالدان، هما البيئة الأولى التي يعيش ويتعلم وينشأ فيها الطفل، وكما يقوم الآباء بمتابعة نمو مهارات أطفالهم الحركية كالقدرة على السير بمفرده وتناول الطعام، يتابعون أيضًا بشغف كبير نمو مهاراتهم اللغوية؛ شوقا في التواصل معهم، وهم من أجل ذلك يقومون بالملاحظة الدقيقة لمواقف الحوار بين أطفالهم والأطفال الآخرين، ثم تبدأ المقارنة بين مستوى لغة الطفل ومن هم في مثل فئته العمرية أو من خلال خبرتهم مع اخوته الكبار، ثم يبدأ الآباء بتكوين وجهة نظر وتشكيل رأي ثم إعطاء حكم عن سهولة أو عسر الكلام عند الطفل أو إن كان يعاني فعلا من مشكلة تأخر في نمو مهارات الكلام.

كثير ما يجري الربط بين التأخر في النطق وبين إصابات الدماغ والتأخر العقلي، وهذا انطلاقا من فرضية أن التطور اللغوي يتأثر بالجنس والذكاء، وأن اللغة مظهر من مظاهر القدرة العقلية العامة، وأن التطور اللغوي يتأثر بسلامة الجهاز العصبي وبسلامة جهاز الكلام وبالخبرات المكتسبة وكمية ونوع المثيرات الاجتماعية ومستوى اختلاط الطفل بالراشدين لإثراء محصوله اللغوي، لذلك يسارع الآباء إلى الطبيب بمجرد ملاحظة شيء من التأخر في النطق، للقيام لإجراء فحص عصبي شامل وعمل تقييم دقيق للتطور الروحي والحركي للطفل.

بالنسبة لعسر النطق عند الأطفال، هناك ما يسمى بعسر النطق التطوري الاستقبالي وتتمثل فيه الإصابة بعدم فهم الكلام المنطوق، أي أن الدماغ كلامًا لا يستطيع حل شفرة الكلام، فهو يستقبل إشارات سمعية وكلاما لا يستطيع تفسيره ولا يعني له شيئا، وهذه الحالة من عسر النطق صعبة التشخيص والعلاج.

وهناك عسر النطق التعبير، فيكون فيها الطفل قادرًا على استقبال الكلام وفهمه بشكل جيد ولكنه غير قادر على الإجابة بشكل يتناسب مع فهمه، وفي هذا النوع من عسر النطق يكون الفحص العصبي والتطور الروحي والحركي للطفل طبيعيين.

وفي حالة التهابات الدماغ، تكون الإصابة خاصة إما بالفص الصدغي منه وهي تؤدي إلى توقف الكلام وعدم فهمه، أو الإصابة الوعائية للفص الصدغي للدماغ وهي نادرة جدا عند الأطفال.

أما وجود تشوهات في الحنجرة أو أن تكون الحنجرة رخوة، فإنها تؤدي إلى عسر النطق وأيضا البلعوم واللهاة، واللهاة المشقوقة ولجام اللسان والشفة الارنبية، وهناك أيضا أسباب تتعلق بالاضطرابات النفسية والسلوكية.

وبرغم سلامة جميع أجهزة وعناصر السلسلة المؤدية إلى الكلام، فإن الكلام يبقى عملية إرادية وأن أي اضطراب نفسي أو سلوكي قد يؤثر على عملية النطق.

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: تجاوز أزمة الرسوب المدرسي بين ألم الطفل وخيبة الأهل

ومن المفارقات في حالة توقف النطق النفسي أو السلوكي، أن يصدر المريض أحيانا كلمات وجملا مترابطة وفي سياقها الطبيعي والظرف المناسب والملائم للموضوع، مما يثبت أنه قادر على الكلام من الناحية العضوية وأن الاضطراب المؤدي إلى التوقف عن الكلام هو نفسي أو سلوكي.

ومن هنا تبرز لنا ضرورة عدم تجاهل المشاكل حتى لا تتعاظم، وأهمية فهم حالة الطفل لتحديد مدى وجوب التدخل من عدمه، وذلك بالتركيز على مجموعة الأسباب، لأن تشخيصها المبكر سيؤدي إلى سرعة التدخل العلاجي المناسب لتلافي التشوهات الخلقية في الجهاز الحركي للكلام ومنها الفتحة في أعلى الحلق والتهابات الأذن الوسطى المتكررة وانصباب السائل في الأذن الوسطى؛ حيث يكون نقل الأصوات أصعب ويحدث نقصا ملحوظا في القدرة على السمع.

وهناك العلاج الفعال لهذه المشكلة، الذي يضمن تهوية غشاء طبلة الأذن لتأمين جفاف الأذن الوسطى، وبالتالي تحسين السمع ومعالجة مشكلة النطق وتقليل فرصة الإصابة بالاضطرابات السلوكية ومشاكل التعلم والقراءة، والتفاعل الاجتماعي بصفة عامة.

تأخر الطفل في المناغاة هو الشكل الشائع من اضطرابات النطق، ويحدث أن يكون سلوكه وتطوره الحركي يتماشى بشكل صحيح مع سنه ومناسب لنتائج فحصه العصبي، وأنه لا يوجد لديه مشكلة سمع ولكن عند التدقيق نجد أن هذا الطفل ليس لديه سوى بعض الكلمات المناسبة لعمره وهي قليلة أو نادرة، ثم يتطور هذا النوع من التأخر في الكلام أو النطق بشكل عضوي خلال بضعة أشهر فقط ليشبه انفجار لغوي؛ حيث ينطلق الطفل بالكلام بشكل عفوي وكبير قريب من الثرثرة بدون الحاجة لأي علاج نفسي، يقود هو ذاته إلى المستوى الطبيعي لأقرانه وبشكل سريع، ومثل هؤلاء الأطفال يظهرون لاحقا تطورًا لغويًا وروحيًا وحركيًا طبيعيًا، حتى وإن لاحظنا في بعض الأحيان تأخرًا في وسائل التعبير الأخرى، كالرسم مثلًا.

تطور اللغة عند الطفل

المعروف أن ملكة الكلام، تبدأ واضحة عند الطفل في سن الثالثة، وتكون قدرته على التعبير عن أفكاره في بداية تبلورها، ومعظم الأطفال يستطيعون في سن الثالثة استخدام الكلمات التي تعبر عن رغباتهم ولفت الانتباه لهم مع وجود تنوعات في كمية ونوعية الخبرة اللغوية الثرية المكتسبة من الوسط الأسري والعائلي الكبير، في حين قد لا يصادف بعض الأطفال إلا القليل من تلك الاستخدامات والخبرات، فلا تتاح لهم فرصة تنمية ثرواتهم اللغوية.

والطفل في سن الثالثة، يبدأ الكلام بشكل متواصل ولا يمل من الحديث وتقليد الأصوات والغناء، وذلك للتباهي بقدراته الجديدة ومحاولة تنميتها بحبه لسماع القصص لزيادة ثروته اللغوية لاكتساب القيم، وهو من السهل عليه أن يحفظ بعض الأغاني المبسطة، كالأناشيد ويميل إلى ترديدها مع أمه أو في الحضانة مع الأطفال الآخرين.

وفي سن الرابعة، يصبح محصول الطفل اللغوي جيدًا يسمح له بالكلام مع الكبار بجمل مفهومة وواضحة، وقد يستعمل تراكيب لغوية معقدة تقليدًا لحديث من حوله، وقد يلتقط الألفاظ ويرددها وهو لا يفهم معناها لأنه لا يدرك المعنى الصريح لكل ما يسمع، لذلك يجب علينا أن نوضح للطفل معاني الكلمات التي يرددها في غير موقعها؛ لتهذيب لغته وتجنيبه التفوه عن غير قصد بالألفاظ النابية.

تطور اللغة في هذه المرحلة، يتطلب ضرورة مراعاة مسألة الفروق الفردية بين الأطفال، فلكل طفل قدراته الذاتية وإيقاعه الخاص في النمو اللغوي، فلا يجب الضغط عليه للتحدث كغيره من الأطفال بل الواجب أن نساعده بكل الحب للعمل على تنمية قدراته ما أمكن له.

إن القدرة على التواصل اللفظي السليم، هو أحد المهارات التي قد يعتريها الخلل أو الاضطراب، وهو ما يطلق عليه اضطرابات تواصلية، كالتأخر اللغوي واضطرابات النطق والعمليات الفونولوجية واضطرابات الطلاقة.

وأيًا كان نوع الاضطراب التواصلي، فلابد من التدخل العلاجي من قبل أخصائي النطق واللغة، إلى جانب الدور البالغ الأهمية للأولياء والبيئة المحيطة في علاج الاضطراب.

ولا يجب أن نغفل أيضًا علاقة الشراكة التي تربط بين أخصائي النطق واللغة كمتخصص في تشخيص وعلاج الاضطرابات التواصلية من جهة، وبين الوالدين كخبراء بطفلهم ومعرفتهم ببيئته الطبيعية وحياته اليومية بطباعه واحتياجاته الخاصة من جهة أخرى؛ هي أفضل علاقة من أجل أفضل طريقة للتدخل لعلاج مشكلة الطفل.

هذه العلاقة تكسب الوالدين مهارات التعامل مع المراحل المبكرة لحياة الطفل في صورة إرشادات وتوصيات تساعده على التطور اللغوي ومنها التأكد من تجاوبه للأصوات العالية في شهره الأول، والتحدث إليه عن الأشياء الظاهرة أمامه ليربط بين ما يراه ويسمعه، والحرص على البقاء دائما في مستوى نظر الطفل عند محادثته ليشعر بالاتصال المباشر والاستجابة لمناغاته بترديدها، والتحدث إليه بهدوء ووضوح مع التأكيد على مخارج الحروف، وتعريف الطفل على أسماء موجودات البيت وعلى أعضاء جسمه ووظائفها، ثم إشراكه في الألعاب اللغوية كتسمية الألوان والحيوانات والطيور.

ومن الضروري التنبه إلى عدم تصحيح أخطاء الطفل اللغوية باستمرار أو تركه محل سخرية أقرانه منه حتى لا يصاب بالسلوك الانسحابي، أو التلعثم والتأتأة أو التردد في القول خشية الوقوع في الخطأ أو بالخجل وفقدان الشجاعة الأدبية، والأسلم هو تركه يصحح نفسه بنفسه حينما يسمع والديه لاحقا ينطقون الكلمات نفسها ــ عمدًا ــ بشكل صحيح عندها سيدرك خطأه، وكذلك من المهم إبداء الحرص على استمرار محاولة فهم كلمات الطفل فهذا يشجعه أكثر لاستحضار ما يمكن أن يقوله، وبالتالي يعزز محاولاته للتكلم.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: هل الطفولة الحديثة مرهقة؟