"تنويعات" وجيه وهبة يُعيد النظر للإنسان وعلاقته بالطبيعة والأشياء

اختتمت خلال مايو الجاري بجاليري بيكاسو، فعاليات معرض "تنويعات" للفنان وجيه وهبة، والذي تضمن مجموعة من لوحات الفنان التعبيرية، والتي يعيد "وهبة"، من خلالها، النظر إلى الإنسان، وعلاقاته المتشعبة، بمفردات الطبيعة، وكائناتها.

وعن عالم الفنان وجيه وهبة، قال الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، في مقال سابق له: "حين فكرت في كتابة كلمة عن الفنان وجيه وهبة بحثت في البداية عن مترجم أو وسيط؛ حيث كانت لوحاته تذكرني بأعمال التعبيريين التي رأيتها في عدد من متاحف العالم، أو رأيت صورها في كتب الفن التي اتخذتها وسيطًا أو مترجمًا يشرح لي أعمال وجيه وهبة أو يفتح لي عالمًا.

وأضاف: "هكذا جلست أراجع ما لدي من المعاجم والمؤلفات التي تتحدث عن "كيرشنير، هيكيل، نولد، ومونش"، وغيرهم من كبار الفنانين الألمان، والإسكندنافيين، والنمساويين الذين بلوروا هذا الاتجاه في الفن؛ فأصبحت التعبيرية مدرسة محددة المعالم بعد أن كانت وصفًا غامضًا لاجتهادات فردية متباينة نشأت كلها في بدايات القرن الماضي، وتميزت بتحررها من قواعد التصوير الموروثة، وانشغالًا بما يعتمل في أعماق الفنان أكثر من انشغالها بما تقع عليه حواسه، ولكن هذا طورًا طبيعيًا في حياة الفن وحياة الإنسان".

وقال حجازي: "لقد تحرر الإنسان من الثقافة التي كانت تطبع الجميع بطابع لا يتغير وتفرض عليهم نمطًا واحدًا في التفكير والسلوك؛ إذ أصبح الإنسان فردًا حرًا متميزًا له عالمه الخاص الحافل بتاريخه الشخصي، وذكرياته، وأحلامه، وأوهامه، وأساطيره التي أصبح في قدرة العلم أن يتوغل فيها، ويضيء جوانبها، ويكشف عن أسرارها، ويستنطقها، ويحاورها".

واستطرد: "وكما اجتذبت النفس الإنسانية علماء النفس اجتذبت الشعراء والفنانين الذين أصبحوا يطيلون النظر في صور الأعماق يشاهدون ألوانها، ويتابعون إيقاعاتها، ويهتزون أمام ما يعتمل فيها من أحلام ومخاوف وهواجس وكوابيس".

ورأى عبدالمعطي حجازي، أن أول ما ينفرد به "وجيه وهبه" هو قدرته الفذة على أن يرسم ما لا نراه وما لا نستطيع أن نراه إلا في لوحاته، فالإضاءة التي نجدها في لوحاته ليست من أشعة الشمس، ولا من ضوء القمر، ولا من أنوار المصابيح.

ونحن في لوحاته لا نعرف الوقت، لا ندري إن كنا في ليل أو نهار، كما نحتار في معرفة الزمن واكتشاف مصدر النور وتفسير الأوضاع التي تتخذها شخوصه الواقفة أو المضطجعة، المنفردة أو المجتمعة، وبوسعنا أن نقول إن العالم الذي نراه في لوحات "وجيه وهبة" عالم غريب ميتافيزيقي، كأنه مدن غرقى، أو معسكرات اعتقال، أو معازل بعيدة، وربما ذكرتنا صوره بالعالم الذي صوره "دانتي" في "الكوميديا الإلهية".

وذكر حجازي أن: "عالم وجيه وهبة ليس مجرد تحريف أو تشويه بعالمنا كما يمكن أن نقول عن عالم فنانين آخرين ينتمون للتعبيرية، وإنما هو عالم آخر، كأنه موجود دون أن يكون مرئيًا، وفي هذا تتمثل عبقرية الفنان، فهو يصور لنا ما لا نراه، لكنه يقنعنا به ويلقي بنا في أعماقه، فنراه واقعيًا أكثر مما نرى الواقع واقعيًا، وهذا هو جوهر الفن أيًا كانت المدرسة، وأيًا كانت النظريات والأساليب والأدوات".