ذكرى تتويج (الملكة العذراء) على عرش إنجلترا وايرلندا

حدث في مثل هذا اليوم، 15 يناير 1559م، توجت إليزابيث الأولى؛ ملكة على عرش إنجلترا وايرلندا في (دير وستمنستر بلندن)، سميت بهذا الاسم نسبة إلى جدتيها (إليزابيث يورك وإليزابيث هوارد)، ولدت في 7 سبتمبر 1533، في قصر (بلاسنتيا)، نشأت وعاشت طفولتها في ظل زواج ملكي بين هنري الثامن ملك إنجلترا وآن بولين، الزوجة الثانية لهنري، وتُعد إليزابيث الابنة الثانية لهنري والوريثة المفترضة لعرش إنجلترا، فقدت أختها الكبرى الغير شقيقة (ماري) مكانتها كوريث شرعي عندما أنهى هنري زواجه من والدة ماري كاثرين أراغون، لكي يتزوج من آن بولين وينجب ولدًا لضمان خلافة تيودور.

قطعت رأس أمها.. وأصبحت أبنة غير شرعية..

تم قطع رأس (آن)؛ والدة (إليزابيث)، في 19 مايو 1536، تنفِّيذًا لحكم الإعدام فيها بتهمة خيانة الوطن، تم ذلك عندما كانت تبلغ من العمر سنتين وثمانية أشهر، ومن هنا تم إلغاء زواج (آن) من (هنري الثامن)، وبعد أربعة أشهر من الوفاة الطبيعية لـ(كاثرين أراغون)، لتُعلن (إليزابيث) ابنة غير شرعية، ومن هنا فقدت حقها في تولي العرش؛ وبعد مرور إحدى عشر يومًا من إعدام والدتها، تزوج هنري من (جين سيمور)، ولكنها توفيت بعد فترة قصيرة من ولادة ابنهما الأمير (إدوارد)، في عام 1537، مما جعله منذ ولادته الوريث الشرعي للبلاد بلا منازع، ووضعت حينها (إليزابيث) في منزله، بل وكانت هي من حملت قماش التعميد أثناء مراسم التعميد.

تولي شقيقها لأبيها عرش البلاد.. وأقصاها مخالفًا القانون

بعد وفاة أبيها الملك هنري، في عام 1547، خلفه في الحكم أخوها من أبيها (إدوارد السادس)، الذي نشأ بروتستانتيًا كأخته (إليزابيث)، وعندما توفي في عام 1553، ورث العرش إلى (ليدي جين غراي)، مُقصيًا بذلك أختيه (إليزابيث، وماري)؛ الكاثوليكية الرومانية عن الحكم ومخالفًا للقانون آنذاك، لكن أرادته لم تتم، فقد تُوجت (ماري) على العرش، وتم خلع (ليدي جين غراي)، ومن ثم أعدمت.

اعتقلتها شقيقتها (السفّاكة ماري) رغم عدم إدانتها بأي شيء..

كانت (ماري) مثل أمها كاثوليكية فجعلت مذهب الأمة الإنجليزية كاثوليكيًا، وكانت تضطهد الفئة البروتستانتية حتى عُرفت باسم (السفّاكة ماري)؛ التي كانت تسيء الظن بـ(إليزابيث)، التي كانت سُترشَّح بعدها للحكم؛ بينما كانت (إليزابيث) تتجنب بشدة التدخل في الأمور السياسية خلال فترة حكم (ماري)، ومع ذلك فقد وقعت (إليزابيث) ضحية الظن في عام 1554 بعد الثورة المعروفة باسم (ثورة ويات)، التي فشل فيها الثوار في الإطاحة بحكم (ماري)، واعتُقلت (إليزابيث) رغم عدم ثبوت أي أدلة تدينها بالاشتراك في الثورة.

أدارات البلاد بـ (الشورى).. وأقامت الكنيسة البروتستانتية

أصبحت (إليزابيث)، الملكة وتولت الحكم، بعد وفاة (ماري) في عام 1558، وأدارت البلاد بالشورى، واعتمدت في كثير من الأمور على فريق من المستشارين الموثوق بهم بقيادة (وليام سيسيل، وبارون بورغلي الأول).

كان أول ما قامت به الملكة (إليزابيث) بعد اعتلائها العرش إقامة الكنيسة البروتستانتية الإنجليزية، وأصبحت الحاكم الأعلى لها، هذا وقد أسهمت تسوية (إليزابيث) الدينية في تطوير الشكل الذي عليه الكنيسة الإنجليزية حاليًا، كان من المتوقع أن تتزوج (إليزابيث) وتنجب وريثًا لمواصلة حكم سلالة تيودور بحكم أنها الحاكم الخامس والأخير من سلالة تيودور؛ إلا أنها لم تفعل، رغم كثرة المتقدمين إليها، وبتقدمها في السن، اشتهرت بكونها ما زالت عذراء، الأمر الذي أنشأ هالة من حولها نُقلت من خلال الصور، والمواكب، والأدب في ذلك العصر، ولُقبت بـالملكة العذراء، وغلوريانا، والملكة المباركة الفاضلة.

أحد شعاراتها (أرى، ولكني لا أتكلم)

في فترة حكمها كانت (إليزابيث)، أكثر اعتدال من والدها وأخواتها غير الأشقاء، بل وكان أحد شعاراتها (أرى، ولكني لا أتكلم)، لم يكن لديها تعصب ديني؛ بل كانت تتجنب الاضطهاد المنهجي، وفي عام 1570 أعلن (البابا) أن إليزابيث حاكمة غير شرعية، كما أحل رعاياها من الولاء لها، وجرت مؤامرات عديدة تهدد حياتها، ولكن تم إحباط جميع هذه المؤامرات بفضل جهاز الخدمة السرية الذي يديره وزرائها.

حققت أعظم انتصار عسكري في التاريخ الإنجليزي

ساندت (إليزابيث) بغير حماسة الحملات العسكرية غير الفعالة، وذات الموارد الشحيحة في هولندا وفرنسا وأيرلندا، كما كانت حذرة وعلى دراية بالشؤون الخارجية والمناورات التي تدور بين القوى الكبرى، مثل فرنسا وإسبانيا، ارتبط اسم (إليزابيث) بأعظم انتصار عسكري في التاريخ الإنجليزي، وذلك في منتصف عقد 1580 حيث لم يكن لإنجلترا الخيار لتجنب الحرب مع إسبانيا، وانهزم أسطول الأرمادا الإسباني على القوات الإنجليزية في عام 1588.

(العصر الإليزابيثي) اشتهر بازدها الدراما والبحارة الإنجليز

سُمي العصر الإليزابيثي، في الفترة التي حكمت فيها الملكة (إليزابيث)، حيث اشتهرت بازدهار الدراما الإنجليزية بريادة عدد من الكتاب المسرحيين مثل: (وليم شكسبير، وكريستوفر مارلو)، كما اشتهر ببراعة البحارة الإنجليز المغامرين مثل: (فرنسيس دريك)، ولكن كان بعض المؤرخين أكثر تحفظًا في تقييمهم لها، فوصفها بعضهم بأنها حادة الطباع ومتذبذبة في بعض الأحيان، وأنها نالت أكثر مما تستحق.

(إليزابيث) ملكة مثابرة وعنيدة وذات شخصية براقة

في ظل حكومة محدودة الصلاحيات ومتداعية للسقوط، وأثناء تعرض ملوك الدول المجاورة لمشكلات داخلية؛ ظهرت سلسلة من المشاكل الاقتصادية والعسكرية، في نهاية عهدها، أدت إلى انخفاض شعبيتها، ولكن أثبتت (إليزابيث) أنها ملكة مثابرة وعنيدة وذات شخصية براقة، وكذلك كان الحال مع ابنة عمها المنافسة (ماري ستيوارت) ملكة اسكتلندا؛ مما أدى إلى سجن (ماري) في عام 1568، ثم إعدامها في عام 1587.

جلبت الاستقرار للبلاد خلال فترة حكمها على مدار44 عامًا

وبعد فترات الحكم القصيرة لإخوة (إليزابيث) الغير الأشقاء، فقد نجحت خلال فترة حكمها التي امتدت إلى 44 عامًا أن تجلب الاستقرار إلى البلاد، وتساعد على تعزيز الشعور بالهوية الوطنية.

توفيت حزنًا على وفاة صديقاتها تباعًا..

في خريف عام 1602، كانت صحة (إليزابيث) على ما يرام، ولكن بعد سلسلة من وفيات صديقاتها دخلت إليزابيث في حالة من الاكتئاب الشديد، وفي فبراير 1603، توفيت (كاثرين كاري)؛ كونتيسة نوتنغهام، ابنة شقيق كاثرين كاري صديقة إليزابيث المقربة؛ مما أدى إلى صدمة قوية لـ (إليزابيث)، وفي مارس، مرضت على أثرها، ودخلت في حالة مستمرة من الحزن الشديد، وجلست على وسادة لساعات دون حراك، وعندما أخبرها روبرت سيسيل أنها يجب أن تذهب إلى الفراش، قالت له بامتعاض "الكلمة يجب أن لا يستخدمها الأمراء"، وتوفيت في 24 مارس 1603 عن عمر يناهز الـ 43 عامًا، في قصر (ريتشموند) ما بين الساعة الثانية والثالثة صباحًا، وبعد بضع ساعات، وضع سيسيل والمجلس الخطط قيد التنفيذ وأعلن جيمس ملكًا لإنجلترا.

شهدت جنازتها بكاء وأنين لم يعرفه أحد من قبل..

حُملَ تابوت إليزابيث إلى قصر (وايت هول) ليلًا عن طريق النهر على ظهر زورقٍ مضاء بالمشاعل، وفي جنازتها التي أقيمت في 28 أبريل، نقل تابوتها إلى دير وستمنستر في عربة يجرها أربعة خيول معلق عليها المخمل الأسود، واكتظت المدينة بالجموع المختلفة من الناس في الشوارع والمنازل والنوافذ والمزارب والتي جاءت لرؤية الجنازة وعندما رأوا تمثالها الذي يرقد على التابوت الخاص بها، كان هناك ما بين تنهيد وأنين وبكاء لم يره أو يعرفه أحد من قبل.

دفنت في دير وستمنستر.. بجوار أختها لأبيها (ماري)

دفنت إليزابيث في دير وستمنستر في مقبرة تشاركها أختها الغير شقيقة، ماري الأولى. ويوجد على مقبرتهما نقش (باللاتينية)، يعني "الأقران في الملكوت والمقبرة، نرقد هنا، الأختان إليزابيث وماري، على أمل البعث".