التشكيلية التونسية سناء هيشري: اخترت الأخضر لرسم المرأة السعودية لأنه لون الازدهار والنمو

ـ استلهمتُ لوحاتي من نضال المرأة العربية لأظهر قوتها وعزيمتها على النجاح ـ أحلم بعرض لوحاتي في الأرض المباركة "السعودية" ـ عالم الألوان يحوي أسرارًا وساعد في علاج العديد من الأمراض النفسية ـ مزجت "الكاليجرافي" والخطّ العربي مع ألواني بسبب عشقي لهذا الفن الإسلامي

حوار: مجدي صادق

هي فنانة تشكيلية، باحثة وأستاذة فنون جميلة، بلجيكية من أصول تونسيّة، درست بالأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في بروكسل، ودرّست الفن التشكيلي في تونس والإمارات العربية وبروكسل وسويسرا.

نظمت الفنانة التونسية سناء هيشري، العديد من المعارض الفنية في تونس ودبي والمغرب وبلجيكا وأمستردام وسويسرا وغيرها، وتتمنى أن تنظم معرضها القادم بالمملكة.

وفي حوارها مع "الجوهرة"، أكدت "هيشري" أن اللون الأخضر هو الذي تختاره لرسم المرأة السعودية في الوقت الذي تكره فيه اللون الرمادي على عكس ألوان: الأزرق والبرتقالي والأرجواني فهي ألوان أنثوية. وإلى نص الحوار..

لماذا اخترتِ مجال الفن التشكيلي؟

لو رجع بي الزمن إلى الوراء؛ لاخترتُ نفس مساري في الفنون الجميلة التي أعشقها منذ الصغر، وأنا أُحبّ التغيير ولا أُحبّ القيود والروتين أو أن أكون ملتزمة بمواعيد عمل.

والفن هو الحرية، هو الجمال والإبداع، كل يوم أجد نفسي أمام لوحة جديدة أرسمها بألوان مختلفة مُتحررة من قيود الحياة.

فلسفتي في الألوان

هل الإبداع التونسي يختلف عن الأوروبي من حيث الحرية في الطرح؟

اللوحة التي تفتقر للألوان الزاهية تكون كئيبة، والقطعة الفنية التي يرسمها الفنان تعكس حالته المزاجيّة والشخصيّة، فالألوان لها تأثير كبير في النفس البشريّة.

لذلك، أبتعد كليًا عن الألوان القاتمة التي تحمل التشاؤم واليأس، وأسعى إلى استعمال الألوان الحارّة التي تحمل طاقة إيجابيّة يستمدّها المُتلقي عند النظر إليها. ولعلّ من أكثر الألوان التي تأثّرت بها، "الأزرق والبرتقالي".

ويعد الأرجواني اللون المفضّل لدي؛ فهو لون أُنثوي إلى حدّ بعيد يجمع بين الغموض والقوّة ويقع بين الوردي والبنفسجي، ويمنح طاقة إيجابيّة كبيرة.

والحرية الإبداعيّة في تونس كما هي ببلجيكا، فالإنسان يحتاج الحرية حتى يكون مبدعًا، أما من ناحية التكنيك في الرسم، فلكل فنان طريقته سواء كان تونسيًا أو من أي بلدٍ آخر.

مبدئي في الرسم، هو كسر القواعد المُتعارف عليها في الفنون الجميلة والخروج من قوقعة التشكيل الكلاسيكي واستعمال تقنيات وخامات جديدة ومُبتكرة؛ فالجرأة والمُجازفة تعكس نمط لوحاتي.

هل كراهيتك للون الرمادي له دلالة نفسية؟

حسب رأيي الشخصي هو لون الكآبة والظلام، كما أنه يحدّ من الإبداع ويقيد الأفكار، وكما ذكرت فأنا لا أُحب القيود؛ لذلك ابتعد قدر الإمكان عن هذا اللون.

لماذا كان اختيارك لعلم الكاليجرافى في لوحاتك؟ وهل أضفتِ جديدًا لهذا النوع من الفن؟

في رحلتي الفنّيّة حاولت مزج الكاليجرافي –فن كتابة الحروف- والخطّ العربي مع ألواني؛ لعشقي لهذا الفن الإسلامي.

أيام بل أسابيع تمضي وبين أصابعي ريشة وألوان لرسم لوحة ذات طابع تاريخي يجمع بين الرسم والتشكيل والخطّ العربي.

العلاج بالفن نهج علاجي فريد

هل استخدمتِ يومًا مثل هذه الألوان في علاج حالات مرضية؟

لوحاتي مُشبّعة بألوان ذات طاقة إيجابيّة التي تُشعر المشاهد براحة نفسيةـ

ودراستي للألوان لمدّة عقدين من الزمن؛ جعلتني أتعامل معها كروح وحياة، فيُولد ذلك الشعور الجميل الذي ينعكس على الحالة المزاجية ولن تشعر به إلا إذا اتصلتَ مُباشرة مع هذه الألوان الساحرة التي تسمو بالعقول والنفوس.

ومن خلال بحثي المستمر في عالم الألوان، أدركت أن لها تأثيرات قادرة على تحقيق طاقة إيجابية أو سلبية، فبعضها يساعد في العلاج من أمراض نفسية، واتخاذ نهج إبداعي هو وسيلة قويّة لإخراج الطاقة السلبية والعواطف المكبوتة.

وقد لاحظت أن الناس الذين يُمارسون النّشاط الإبداعي الفني والجمالي أقل شعورًا بالاكتئاب، وطرقي في العلاج بالفن والإبداع والألوان بعيدة كل البعد عن الطرق الكلاسيكيَة، وقد اكتشفتها من خلال تجاربي.

التشكيلية التونسية سناء هيشري

نضال المرأة ولوحاتي التشكيلية

كيف جسدتِ المرأة العربية في عالم ألوانك الخاص؟

لطالما استلهمت قصص وحكايات لوحاتي الفنية من نضال المرأة العربية التي كرّست حياتها في تطوير نفسها وسعيها المستمرّ إلى تقدّم وازدهار وطنها. هدفي ليس في رسم ملامح أو بورتريه، بل نشر روح الألوان لتُبرز من خلالها أجمل وأعظم إنجاز قدّمته المرأة خلال زمن ماضي ويوم حاضر ومستقبل مُشرق.

وقد استعملت عدة ألوان لأبرز قوّتها وعزيمتها، فكل لون على اللوحة يُخبئ سرًا، وكلما تعمّقنا في التّأمّل للوحاتي الفنية يظهر لنا مدى تناغم ألوانها، لِتروي لنا حكايات من الجمال السّاحر، ورسائل فنّيّة من نضال وقوّة وحكمة هذه المرأة.

إذا فكرتِ أن ترسمي لوحة للمرأة السعودية فأي الألوان ستختارين؟

هناك رؤية خاصة بي في لوحاتي الفنية للمرأة السّعوديّة؛ إذ رسمتها بألوان إيجابية وهي ألوان الأمل والقوة والإرادة والانطلاق والتي تُظهر مدى تقدمها في الوطن العربي والمستقبل الذي ينتظرها. هي مُلْهمتي؛ رسمتُ نضالها وكفاحها وسعيها من أجل تحقيق ذاتها.

وقد جلب انتباهي، من خلال دراستي، مدى اهتمام وتقدير المرأة السّعوديّة من قبل الملوك، وقد أتت السّعوديّة في المرتبة الأولى عربيّا من حيث مكانة المرأة في المجتمع لتأخذ الصدارة وتنطلق هذه المرأة إلى الأمام بعد قيود عديدة؛ لنراها سفيرة ومذيعة وقائدة وفنانة.

الأخضر هو اللون الذي اخترته لرسم المرأة السعودية وهو لون الازدهار والنمو؛ ليعكس مستقبل المرأة، ذاك الذي يتمّ العمل عليه في الحاضر.

اهتمامك بالمرأة العربية ودورها عبر لوحاتكِ التشكيلية إلى أي مدى كان لها تأثير خلال رحلة النضال في مجتمع ذكوري؟

قديمًا كان الفن حكرًا على الرجال ولم يكن للمرأة الحق في التعلم أو ممارسة الفن أو الرسم، لكن اليوم أصبحت مساوية للرجل في الكثير من الميادين بنضالها وسعيها وإصرارها على التعلم والتقدم والإبداع.

هناك فنانات مبدعات عالميًا أثبتن مهاراتهن مثلما حدث للمرأة السعودية التي انطلقت وتفجرت طاقاتها الإبداعية والفنية مع رؤية 2030 التي منحتها نسيم الحرية والمشاركة والعطاء؛ لتثبت من خلال فنها التشكيلي مدى قدرتها على التغيير الإيجابي، ولتبهر العالم بحضورها وحكمتها وقوتها باستخدام أناملها ولوحاتها الفنية.

هل تفكرين في تنظيم معرضك القادم بالمملكة على غرار ما قدمتيه بعواصم عربية وغربية؟

أتمنى عرض لوحاتي في معارض الأرض المباركة "السّعوديّة" التي تحتلّ المرتبة الأولى بالشرق الأوسط في التغيير الإيجابي.

التشكيلية التونسية سناء هيشري هل ظهرت قضايا مثل التنمر والتحرش وارتفاع معدلات الطلاق في لوحاتك ؟ وما أسبابها؟ وكيف يمكن مواجهتها من وجهة نظرك؟

تضمنت لوحاتي الفنّيّة رسائل تُناهض العنف والتنمر والتحرّش بألواني ورسوماتي التي تظهر العنف الذي تتعرض له المرأة.

أسلوبي الفني شمل جانبين: جانب الظلم الذي يُولّد العنف وعدم الرحمة، والجانب الآخر مُفعم بالتفاؤل للتغلّب على الخوف والعنف والظلم والعبودية.

لوحاتي الفنية مُغطّاة بألوان النقاء، وكلها تجلب الطاقة الإيجابية، وتحمل الأمل في غد جديد خالٍ من العنف.

اقرأ أيضًا: الباحثة في مجال سينما الطفل د. ليلى بالرحومة: المملكة تعيش نهضة حداثية في الفن والسينما