«هكذا كانت الوحدة».. اليوميات والكتابة والوجود

لا أحد يولد، غالبًا، وهو يعرف طريقه إلى نفسه، ولا يدرك شيئًا عن تلك الهجرة التي من الواجب عليه أن يهاجرها إلى روحه، وكل واحد منا لديه السبل الخاصة والملتوية التي قادته إلى حقيقة ذاته.

وبالنسبة لـ «إيلينا» _ بطلة رواية «هكذا كانت الوحدة» لـ «خوان خوسيه مياس» _ كانت يوميات والدتها التي كتبتها في خمسة كشاكيل متسلسلة والتي عثرت عليها «إيلينا» بالصدفة في دولاب والدتها، هي المطية التي امتطتها كي تهاجر إلى نفسها، وتدرك كينونتها الخاصة.

ومنذ لحظة العثور على هذه اليوميات، انقلبت حياة هذه المرأة رأسًا على عقب، صحيح أنها كانت تحيا حياة نزقة في ظل زوجها أو مضيفها اللطيف (كما كانت تحب هي أن تقول) «إنريكي كوستا» إلا أنها كانت تعاني آلامًا وجودية/ روحية لا علم لأحد بها، وإن كان الجميع يعلم عنها أنها مصابة بالقولون، وأن لديها مشكلة ما في الجهاز الهضمي.

ويبدو أن البطن هي صندوق المرء الصغير الذي يدفن فيه آلامه وأوجاعه، حتى إذا امتلأ الصندوق وغص بما فيه، بدأ الجسد في الثورة والاحتجاج وبدأنا نشعر بالألم.

لكل منا جحيمه الخاص

تهاتف «إيلينا» أخاها «خوان» وتطلب منه أن يتناولوا الغداء معًا؛ إذ كان سيل ألمها الروحي قد بلغ زُباه، ولابد من شخص نقول له إننا لسنا بخير. ولكن حين تلتقي أخاها تُفاجأ بنبرته العدائية ضدها؛ فهو يرى أنها تمكنت من تحصيل كل شيء أرادته المال والزواج السعيد!!!! هكذا بنظرة خارجية يمكن لأحدهم أن يقيّم حياتك، ويصدر عليك حكمه الخاص.

لم تكن معي يا أحمق حين كنت أعاني لليالٍ طوال من الأرق والخوف والهلع، ولم تكن معي حين علقت دموعي ولم أستطع ذرفها فتحولت إلى غصة في الحلق، ولم تكن موجودًا حين خانني الجميع وخيّبوا ظني، لم تكن موجودًا أبدًا حين كنت أسكن في قلب الجحيم.

المهم أنها شعرت بخيبة أمل في أخيها، فحاولت أن تطمئنه قائلة: «أشعر أنني وحيدة وكنت أعتقد أنني أستطيع إخبارك. لا تخف، لن أطلب منك شيئًا».

وذات مشاجرة كلامية مع زوجها «إنريكي» قال لها كلمة على قدر كبير من الأهمية: «كلنا نحيا في جحيم ما يا إيلينا، كلنا، ولكننا لا نجعل أحدًا يدفع ثمن أعمالنا. أتعلمين لماذا؟ لأن كل واحد منا يختار جحيمه الخاص، ذاك الجحيم الذي يجد نفسه فيه أكثر راحة».

إذًا، الجحيم قدرنا المقدور، ولكي نخف من غلواء نار هذا الجحيم علينا أن نختار هذا الجحيم بأنفسنا، وقد كان هذا هو مسعى «إيلينا» في الرواية كلها، وربما يكون هذا هو المعنى الذي أراده «خوان خوسيه ميّاس» من هذه الرواية.

بداية الوحدة: إعادة بناء العالم الذي ستسكنه ويسكنك

إنك ستعاني، أولًا، من أجل اختيار جحيمك الخاص؛ فالحياة مليئة وما عليك سوى أن تختار من بينها واحدًا مناسبًا، وثانيًا، ستعاني كي تتأقلم مع هذا الجحيم.

ولعل مما يؤكد المعنى الذي نذهب إليه أن «ميّاس» يقرر إنهاء الرواية على مشهد «إيلينا» وهي جالسة في شقتها الجديدة التي قررت أن تنتقل إليها بعد قرار الانفصال عن زوجها، واللافت أنها تتمتع بمشاهد تأمل الشمس من شرفتها الزجاجية، وهو الأمر الذي يعني أنها أمست هي وجحيمها الخاص منسجمين.

اقرأ أيضًا: مسلسل La Casa De Papel.. محاولة جديدة لقلب القيم