حقق مزاد “سوذبيز” لفن القرن العشرين من منطقة الشرق الأوسط مفاجآت لافتة؛ حيث سجلت أرقام قياسية جديدة لفنانين من المنطقة.
وكانت أبرز هذه المفاجآت على الساحة السعودية بيع لوحة للفنان السعودي محمد السليم، بمبلغ 1.1 مليون دولار. وهو أعلى سعر يحقق حتى الآن لأي عمل فني لفنان سعودي في المزاد.
كما شهد المزاد بيع عمل آخر لـ”السليم” بمبلغ 22 ألف جنيه إسترليني؛ ما يعكس الاهتمام المتزايد بالفن السعودي على المستوى العالمي.
مولده ونشأته
محمد موسى السليم، ولد في 18 يونيو 1939، وتوفي عام 1997، وهو فنان تشكيلي سعودي رائد. وأول من أسس دارًا سعودية للفنون، تهتم بالفنانين والرسامين، وتوفر لهم احتياجاتهم الفنية.
نشأ في محافظة مرات، وعاش بدايات حياته في السعودية؛ حيث درس الفن التشكيلي، وعمل كمدرس للتربية الفنية. في عام 1968، حصل على بعثة دراسية إلى إيطاليا لدراسة الديكور؛ حيث تعمّق في الفنون الأوروبية.
خلال دراسته في إيطاليا، تأثر “السليم” بحضارة القرن التاسع عشر؛ ما انعكس على أعماله الفنية الأولى، التي كانت تميل إلى السريالية.
لاحقًا، تأثر بأساليب فنية مختلفة، مثل: مذهب سيزان وسوراه. وبدأ في تقسيم الألوان إلى بقع خفيفة، وإعادة تشكيل الخطوط إلى أشكال هندسية.
مع مرور الوقت، تجاوز “السليم” هذه المرحلة ليصل إلى مرحلة ابتكارية. حيث ركّب موضوعات أعماله بطريقة أكثر حرية وأقل هندسية.
كما نجح محمد السليم في المزج بين التراث السعودي وما حققته الفنون التشكيلية العالمية. ما جعله شخصية بارزة في الحركة الفنية السعودية.
أبرز محطات “السليم”
بينما كان “السليم” يعمل على تأسيس دار الفنون السعوديّة ظهرت مدرسته الفنية المميزة لأسلوبه في الرسم. وهي المدرسة الآفاقيّة في عام 1980؛ حيث كان “السليم” له هاجس كثيرًا ما أراد أن يوجده، وهو أسلوب الصحراء الذي ينتمي له الفنان السعوديّ.
أسلوب الصحراء هو مفهوم فلسفيّ مهم بالنسبة لـ”السليم”، فتأثير الصحراء، بوصفها بيئة يعيشها الفنان السعودي، تأثير ملهم وكبير على: ألوان الفنان، وتكويناته المستمدة من الصحراء، وكثبانها، ونباتاتها، وحرارتها.
كتاب “الآفاقيّة”
ألّف “السليم” كتاب الآفاقيّة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، دليلًا يوضح فيه مفهوم فنّ الصحراء. وعرض فيه بعضًا من تجاربه التي توضح هذا المفهوم.
كتب “السليم” في كتابه: “يرتكز الموضوع على امتداد خط الأفق يمينًا ويسارًا، بحيث يعطى الامتداد اللانهائيّ. لدرجة تجعلك تنتظر بقيّة الموضوع فيما بعد الإطار، إلا أن وسط الأفق بين إطاريّ اللوحة يحمل التكثيف الأكثر لإبراز العناصر المهمة للموضوع”.
بينما تابع: “أما الصدى السرابيّ والضبابيّ للموضوع، فيظهر في أسفل وأعلى الموضوع، ليكون غلافًا من الترديد لأنغام وإيقاعات توحي بحيويّة فكرة الموضوع. ونبض المشاعر الحسيّة تجاهه”.
وقال “السليم” في كتابه عن الهُويّة الإبداعيّة: “الفنّ التشكيليّ لغة اتصال إنسانيّة بين البشر جميعًا، هي في رأيي لغة الصامتين، أو لغة الهامسين بصوت يخترق طبلة الأذن، ويتعدى صداها الأجيال عبر التاريخ الإنسانيّ”.
كما أضاف: “ولكلّ لغة أصولها ومناهجها، الآفاقيّة الصحراويّة ما هي إلا خطوة ضمن تلك الأصول والمناهج لتلك اللغة الإنسانيّة. لا تسعى إلى وضع حدود في طريق إبداع الفكر الإنسانيّ، بقدر ما هي انطلاقة لإبداع الفنان بمواهبه الذاتيّة. الحاملة لقيمه ومبادئه السامية، من خلال البيئة التي تنشأ فيها، والقيم الأخلاقيّة التي تربى عليها في إطار شخصيّة فنيّة متميزة. وهو ما أسميه بالهُويّة الإبداعيّة للفنان الصادق حقًا”.