لماذا يلجأ الرجل للكذب على زوجته؟

الكذب؛ وسيلة الزوج الدائمة للتهرٌب من كافة الأسئلة الهامة التي تقوم الزوجة بطرحها، يتخذ طريقًا موازيًا لبعض الأسباب الواهنة التي يطلقها؛ سعيًا لتجميل واقعه الذي يراه قبيحًا، وهنا يكون الرجل قد أصدر حُكم الإعدام على الثقة التي لن يفز بها مجددًا، ويبدأ في إدمان الأكاذيب التي قد تؤدي إلى الطلاق.

وفي تصريحات خاصة لـ "الجوهرة"، أكدت الدكتورة إيمان عبد الله؛ خبيرة الإرشاد الأسري والنفسي، أن العلاقة المقدسّة بين الأزواج، يتشارك فيها الطرفين، ولاستمرارها يجب التحلّي بالصدق؛ لتقوية العلاقة بينهما.

وأفادت الدكتورة إيمان بأن الكذب يُفسد الروابط بين الزوجين، ويزرع بذور الشك في النفوس، بالإضافة إلى عدم الأمان، وفقدان الثقة، موضحة أنه عندما يتم اكتشاف الكذب، فإن "المياه لا تعود إلى مجاريها"؛ نظرًا لإصابة العلاقة الزوجية بكسر عميق، وتعم وقتها حالة من الحزن، عدم الاحترام، الأمر الذي يكون بادرة لدمار الزواج، في ظل وجود الكثير من المشكلات، علمًا بأنه يجب الأخذ في الاعتبار أن الزوج الذي يعتاد الكذب، قد يكون لديه حالة مرضية، ويحتاج لعلاجٍ نفسي.

أضافت الدكتورة إيمان أن هناك الكثير يعتادون الكذب منذ الطفولة بسبب التنشئة الاجتماعية التي من خلالها وجد الكذب طريقًا يسلكه الأب؛ لتيسير أموره في المنزل، فتربّى على ذلك، وسيقوم بتربية جيلٍ بأكمله على تلك العادة السيئة.

"الحب يُهدم مع الكذب"؛ هكذا وصفت إيمان عبد الله، تأثير الكذب على العلاقة الزوجية، مؤكدة أنه لا يهدم الحب بين البشر سوى ثلاث، هم: "كثرة الخطأ، كثرة الكذب، وقلة الاهتمام"؛ فالكذب آفة تفتك بالعلاقات، والأشخاص، ويعتقد الكاذب أنها الوسيلة الأسهل والأفضل في بعض المواقف التي يريد الهروب منها، وقد يكذب الشريك لتفادي غضب الطرف الآخر، أو لوقف نقاشٍ حاد، ومثير القلق.

أما من الناحية الدينية؛ فإن الإسلام قد حرّم الكذب؛ حيث قال الرسول – صلّ الله عليه وسلّم –: "إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذّابا".

وهناك حالات يجوز فيها الكذب في الإسلام داخل نطاق الحياة الزوجية، عندما يمدح الآخر بصفات حسنة غير موجودة بالفعل؛ للتقرٌب منه، ونشر مشاعر الود، وتقوية روابط الحب، الطمأنينة، والسعادة بين الطرفين؛ فالحياة الزوجية تحتاج إلى المجاملة التي تقرٌب الزوجين.

وشددت الدكتورة إيمان على أهمية المدح، والثناء، مشيرة إلى ضرورة رفع شعار "لا للكذب والغش والخداع"؛ للحفاظ على عمق العلاقات الإنسانية المقدّسة، ويجب البعد عن الكذب لأنه "فيرس" ينتشر بسرعة هائلة، يبدأ ببساطة، ويخدع بأسلوبه الماكر، حتى يصل إلى البراعة في ابتكار الأكاذيب، وصنعها، هادمًا كل معالم الحب؛ حيث يُجرّد العلاقة من لونها الأخضر النضر، ويحوّلها إلى صحراء جرداء رمادية اللون، تعتمد على عدم الشفافية، والوضوح.

وأوضحت الدكتورة إيمان على أهمية الصدق قائلة: "إنه في حالة استبدال الزوج لخطة الكذب، بأخرى تعتمد على الصدق والصراحة؛ فإن العلاقة ستكون ناجحة"، كما حذّرت جميع الأزواج من نسيان المثل الشعبي القديم "الكذب ملوش رجلين؛ لأنه من المحتم سيأتي الوقت المناسب وتنكشف فيه كل الحقائق.

بدوره، أشار الدكتور نورالدين أبو زيد؛ المستشار الأسري، وخبير الصحة النفسية، في تصريحاته الخاصة لـ "الجوهرة"، أن الزوج غالبًا ما يجد الكذب حلًا مثاليًا لتجنٌب الخلافات، والابتعاد عن الجدال غير المُجدي – من وجهة نظره – عن أمر ما، قد يؤجج حدة النقاش مع زوجته، مضيفًا أن "الكذب الأبيض" يعتبر طوق النجاة للحياة الزوجية في الكثير من الأوقات.

وقال الدكتور نورالدين أبوزيد: "ربما يضع الكذب حدًا للعلاقة الزوجية؛ لكنه في أوقات أخرى قد يساهم في إنقاذ عائلة بأكملها؛ وذلك عندما يمدح الزوج دون مبالغة وجبات قامت زوجته بتحضيرها، أو إبداء رأيه في مظهرها الخارجي لإعطائها جرعة من الثقة بالذات تكفيها لتقوم بدورها على أكمل وجه"، موضحًا أن الكذب لأهداف نبيلة لا يعد نمطًا سلبيًا للحياة، فهناك من يُجمّل الواقع لشريكة حياته؛ فمثلًا عندما يواجه الزوج مشكلات جمّة في عمله، إلا إنه يقرر أن يذهب لمنزله بوجه مُبتسم، حتى يُشعر زوجته بحجم الضرر الواقع عليه، وهنا يكون الهدف خوفًا على المرأة من صدمة كبيرة أو توتر قد يصيبها.

واصل نورالدين تصريحاته قائلًا: "رغم اعتبار الكذب لأهداف نبيلة نوعًا من الطمأنينة للحياة الزوجية؛ إلا أنها مرحلة مؤقتة، فلابد أن يظهر القناع الحقيقي لمجريات الأمور"، مؤكدًا أن الصدق هو الضامن الوحيد لاستمرار الحياة الزوجية.

أما في حالة الكذب المستمر؛ فإن الزوج يقع لقمة صائغة لأنياب الكذب المفترسة للحياة الزوجية، ومهما تعدّدت أسبابه، فإن الزوجة تعيد ترتيب أوراقها فور معرفة الحقيقة، علمًا بأن الحياة بين الشريكين مُقدّسة يجب تقديرها، وحمايتها بالوضوح، وفق ما أكده المستشار الأسري.

وأضاف أبوزيد أن بعض الرجال يكذبون خوفًا من المواجهة أمام زوجته قوية الشخصية؛ فيبدأ في تجميل صورته العامة، أو ترديد بعض المبررات الزائفة، حتى يبتعد عن براثن ظنونها أو انتقاداتها اللاذعة التي تؤرق حياته الخاصة، كما يحرص الزوج على الكذب لحمايته من اتخاذ قرار مصيري هامة، وهنا يقرر تجاهُل كل السلبيات التي تتغلّب على مخاوفه، إلى جانب "استخفافه" بعقل المرأة الذي قد يدله على الحلول المربحة لأي مشكلة.

وحرص خبير الصحة النفسية على توضيح أساليب الزوج الكاذب، مؤكدًا أن لغة العيون والجسد لا تكذب؛ فكثرة الحركة وعدم الثبات الانفعالي أو الجسدي مع التعبير بالكثير من الإيماءات فإنه يحاول بطريقة غير مباشرة أن يراوغ شريكته، كما أن محاولات الإقناع المستميتة تعكس كذب الرجل، بالإضافة إلى ارتفاع نبرة الصوت، وطريقته الحادة في إدارة الحوار.

وأخيرًا، فإن إنهاء المناقشة دون أي سبب مقنع يعتبر دلالة قوية، ومؤشر لانطلاق شرارة الكذب، موضحًا "نور الدين" أن المرأة تمتلك حدسًا صائبًا في أغلب الأوقات؛ لذا عليها أن تقوم بحكيم عقلها وقلبها مع الاعتماد على حدسها في تقييم أقرب الأشخاص إليها وهو "الزوج"، وهي التي تستطيع أن تتحكّم بمقدار كذبه فور اكتشافها له.

اختتم الدكتور نورالدين تصريحاته مؤكدًا أن الزوج الكاذب يقتل حياته بيديه، وبعد مرور بعض الوقت فإنه يفقد الثقة التي تبني أسرته، فضلًا عن احترام زوجته والمحيطين به، لتتسلّل إلى روحه عدوى إدمان الكذب المتواصل، الأمر الذي يستدعي التدخٌل النفسي لانتشاله من ظلام الكذب، وتقديم دليل العودة إلى طريق الصدق، الذي يضمن الراحة النفسية.