كيف يكون المكان تراثًا؟

الدرعية التاريخية
الدرعية التاريخية

 منذ أن دعا المجتمع الدولي إلى ضرورة الجمع بين الحفاظ على التراث الثقافي والحفاظ على الطبيعة، تضاعف الاهتمام بالمواقع التاريخية والأماكن الأثرية لإدراجها تراثًا أصيلًا يؤكد الانتماء المكاني للشعوب وهوية الأمم ، فتزايدت أهمية الاعتبار المكاني كلما استجدت معايير تصنيف أخرى للمواقع والأمكنة في التراث الثقافي والتراث الطبيعي.

كتبت- صبحة بغورة:

تكسب المعايير العالمية المحددة للتراث العالمي، قيمة عالمية استثنائية للمواقع التي تتضمن معالم التراث الثقافي والتراث الطبيعي. ذلك عندما تحتضن تلك المواقع تحفة عبقرية خلاقة من صنع الإنسان. أو أن تمثل إحدى القيم الإنسانية المهمة والمشتركة لفترة من الزمن، أو تؤكد للعالم تطورًا نوعيًا في المجال الثقافي. سواء في مجال الهندسة المعمارية أو التقنية، أو الفنون الأثرية، أو تخطيط المدن، أو تصميم المناظر الطبيعية.

كأن تكون مثالًا بارزًا على نوعية مميزة من البناء أونمط المعمار. أو مثال تقني أو مخطط يوضح مرحلة مهمة في تاريخ البشرية، فتمثل بذلك شهادة فريدة من نوعها أو على الأقل استثنائية لتقليد ثقافي لحضارة قائمة أو مندثرة.

أو تكون مثالًا رائعًا لممارسات الإنسان التقليدية في استخدام الأراضي، أو مياه البحر بما يمثل ثقافة أو شكل من أشكال التفاعل الإنساني مع البيئة. وخصوصًا عندما تصبح عرضة لتأثيرات عميقة لا رجعة فيها، أو عندما تكون مرتبطة مباشرة وملموس بالأحداث أو التقاليد المعيشية أو الأفكار والمعتقدات، أو الأعمال الفنية والأدبية ذات الأهمية العالمية الفائقة.

الكعبة المشرفة
الكعبة المشرفة

المعايير المحددة للتراث الطبيعي

ومن المعايير الأخرى المحددة للتراث الطبيعي أن يحتوي المكان ظاهرة طبيعية خارقة أو مناطق ذات جمال طبيعي استثنائي، أو يتضمن الأمثلة البارزة التي تمثل المراحل الرئيسة من تاريخ الأرض، بما في ذلك سجل الحياة. وما طرأ من العمليات الجيولوجية المؤثرة في تطوير تضاريس الأرض أو في ملامح شكلها أو فيزيوغرافيتها.

وأن تكون الأمثلة البارزة في المكان تمثل دلالة كبيرة على فعل العوامل البيئية والبيولوجية بعمليات التطور والتنمية، مثل: المياه العذبة الساحلية والبحرية النظم الإيكولوجية والمجتمعات المحلية من النباتات والحيوانات، وأن تحتوي على أهم وأكبر العوامل الطبيعية لحفظ التنوع البيولوجي بالموقع. بما في ذلك التي تحتوي على الأنواع المهددة بالانقراض وذات قيمة عالمية فريدة من وجهة نظر العلم أو انطلاقًا من مبدأ حماية البيئة.

كل هذه المعايير وغيرها تمنح المكان كيانًا مؤثرًا وشخصية مميزة ذات قدرة على التأثير في النفس. وتكسبه قيمة ليست بالمباني، ولكن بتاريخه وعناصر تكوينه الأولى. وما مر به عبر السنين، وصموده الخلاق فتكسبه الرمزية ثراء أكثر. يربط الناس بالطبيعة والثقافة ليصبحا من أقوى عوامل النجاح في قلب عملية إدارة الأماكن التراثية وصميم عملها بشكل فعّال.

جدة التاريخية

 

الناس وروح التراث

فدون الناس لا يمكن أن يمتلك المكان روح التراث، والتراث الثقافي سواء المادي أو الشفهي هو من أهم كنوز الشعوب وهو مستودع ثقافتها. ويشكل قاعدة واسعة لثقافة الشعب ويدخل في تشكيل بنية تفكيره ويحدد مستوى وعيه ويرسم توجهاته. ويؤثر في نمط سلوكه. وتبلور جماليات المكان روح التراث فيه بالإيحاءات الملهمة لأجل المزيد من الإبداع. وتسجيل الكثير من معالم الأماكن المتنوعة التي تعكس ثقافة البيئة وجمالياته.

والتراث نوعان: التراث الميت، والتراث الحي؛ حيث يشير الأول للتراث الذي فقد وظيفته التقليدية المتصلة بالجماعة، وتكون طريقة التعامل معه هي الحفاظ عليه دون أي تغيير، ومعظمها أصبح خاضعًا لحفريات أثرية.

مدائن صالح
مدائن صالح

أما النوع الثاني فيشير بالمقابل إلى مواقع التراث الحي التي هي على اتصال دائم بالمجتمع. يستخدمها الأفراد في حياتهم اليومية، وطريقة التعامل معها: هي محاولة ترميم معظم مبانيها.

ولا يقتصر ذلك في الحفاظ على الماضي فقط، إنما تكييفه مع سياقات اليوم. وبين التماهي والتكامل يبقى تراث الأمم يمثل ركيزة أساسية من ركائز هويتها الثقافية، ومبعث اعتزازها بذاتيتها الحضارية من ماضي تاريخها وفي واقع حاضرها.

ولطالما كان التراث الثقافي للأمم منبعًا للإلهام ومصدرًا حيويًا للإبداع المعاصر. ينهل منه الفنانون والأدباء والشعراء والمفكرون والفلاسفة، كنوز التراث ومقومات الهوية وعناصر الانتماء؛ لتأخذ الإبداعات الجديدة موقعها في خريطة التراث الثقافي الأصيل.

إدارة الأماكن التراثية

ويكاد يتفق المختصون على أهمية الإلمام بكيفيات العمل. مع القيم في إدارة الأماكن التراثية. وعمل مقاربة مع مكان التراث بالنظرة التحليلية من أجل اكتشاف مدى الترابط بين الطبيعة والثقافة، والتعرف على ماهية العلاقات المتبادلة بينهما.

أي أن هناك توافقًا في الرؤى بشأن أهمية النظر في سياق بحث مواقع الأماكن التراثية. ولا شك أن لدراسات الحالات المشتركة دورًا حيويًـا في دعم عملية بناء القدرات.

حيث أصبحت مختبرات ميدانية حية للمشاركين وأصحاب الموارد. لتبادل الآراء ومناقشة التحديات وفرص الحوكمة والإدارة والحفظ. ونكون هنا بصدد الحديث عن شراكة حقيقية لأنشطة عملية من أجل بناء القدرات العلمية والمعرفية بين الناس والبحث. فيما يمكن أن تجود به الطبيعة من أسرارها بالمزيد من التأمل والثقافة والإدراك والعلم.

الدرعية التاريخية
الدرعية التاريخية

التراث يحكي تاريخًا، هذه فرضية ثابتة ومؤكدة، والتاريخ لا يعترف سوى بالحقائق من الأفعال والصادق الأقوال. وما دون ذلك من الادعاءات الزائفة حتمًا تسقط ومصيرها التجاهل، فالنسيان. وعلى ذلك تنبع أهمية التراث المادي وغير المادي كشاهد حي على العصر.

الرابط المختصر :