في رواية "الخائفون" الروائية السورية "ديمة ونوس" تنسج من الخوف أثوابًا لأبطالها

امرأة شابة تذهب إلى عيادة طبيب نفسي مكتظة بالمرضى؛ فتجد الممرضة وموظفة الاستقبال فتاة سورية تعمل لتعول أسرتها، وهناك تلتقي هذه المرأة الشابة "سليمي" طبيبًا يُدعى "نسيم" فشل في مزاولة الطب فأمسى كاتبًا، وكأن الكتابة مأوى الفاشلين.

تتركنا الروائية ديمة ونوس، في روايتها الخائفون، التي وصلت مؤخرا للقائمة القصيرة في جائزة البوكر العربية، نتوه بين شخوص يصنعون تفاصيل متداخلة، نخاف منهم وعليهم؛ لنؤمن في النهاية أن جميعنا محاصرون بالخوف.

في الرواية، خيال ممزوج بواقع، وواقع مرتع بخيال، ففي نفس "نسيم" امرأتان، إحداهما حقيقية، تكتب قصته وقصتها، درست الرسم ففشلت أن تكونه فانقلبت للكتابة، وهذه تدعى "سليمي"، وأخرى تُدعى "سلمى"، وهي امرأة من صنع الخيال، وهذا الـ "نسيم" يجنح إلى أحداهما، حسب ما تطلب روحه المفعمة بالقلق.

ما الذي تقوله ديمة ونوس في هذه الرواية؟ إنها فقط تميط اللثام عن جملة حقائق مروعة، إنها تقول إن الإنسان وحش كاسر، العنف كامن في أصل تركيبه وتكوينه، فقط امنحه الفرصة ليكشف عن نفسه.

بنظري، لا تتحدث ديمة عن واقعة سياسية بعينها قدر حديثها عن شعور إنساني متأصل فينا، وهو الخوف، وعن مجتمع مهترأ صار أفراده مجانين، ولما لا؟ فالكل في ظل شروط عيشة بالية مجانين، خائفون، يرتعدون، وفي أحسن أحوالهم، يلهثون خلف لقمة عيش.

حللت ونوس الخوف البشري، كاشفة لنا أن الأصعب من الخوف هو أثره وانتظاره، إنها تميط اللثام عن شعور بالخوف متجذر فينا، وكبر معنا. تقول في روايتها "انتظار الخوف أصعب من الخوف بحد ذاته، الخوف بحد ذاته أقل قساوة من الخوف منه".

مراحل الروح هنا سيماؤها الخوف، فكل "شيء مؤقت" وفي كل مؤقت خوف، وأنى لنا بالأمان! ولمن يا تُرى يمكن أن ننتمي في ظل هذا المؤقت، لا لشيء إلا إلى العدم، وربما إلى أتفه الأشياء، مثل تلك التي ينتمي إليها "نسيم" كفواتير المطاعم، وبطاقات الثياب.

وربما هام به خوفه فراح يكتب نعوات لشخوص أحياء، ربما ليؤهب نفسه لغيابهم، ويدرب نفسه على الفقدان. شخص كهذا، يكتفي بأقل الأشياء -لأنه خائف ولا منتمي- فلا يشعر أنه ينتمي إلى بيته بل إلى غرفة نومه، لا بل إلى سريره، لا ليس إلى سريره بل إلى الجزء الأيمن الذي ينام فيه. هو ذا "نسيم" لا بل هو كل شخص خائف، وما أكثرهم.

   محمد علواني