فيلم Don't look up.. كل الذين قالوا الحقيقة شُهّر بهم

يضرب فيلم Don't look up الذي كتبه وأخرجه آدم مكاي، وأنتجته شبكة نتفيلكس، وضم طاقم العمل فيه مجموعة من الممثلين العظام من أمثال: ليوناردو ديكابريو، كيت بلانشيت، وميرل ستريب، على وتر حساس جدًا، وهو أن لهذا الكوكب لا بد من نهاية، أو أنه على الأقل يمر بوضع خطير الآن قد يقوده إلى الهاوية.

فمنذ زمن بعيد كتب ليستر ر. براون، كتابًا بعنوان «إنهاك كوكب الأرض»، وكان إدغار موران قد تحدث من قبل عن أزمة هذا الكوكب، بل ووضع كتابًا بعنوان «هل نسير إلى الهاوية؟»، ولكن يبدو أن هذا الفيلم تفوق على كل هذه الأطروحات، أنبأنا أن الأرض وصلت إلى الهاوية فعلًا.

مبدأ الحكاية

تدور قصة فيلم Don't look up حول طالبة الدكتوراه ديبياسكي (الممثلة جينيفر لورنس) التي تعد رسالتها تحت إشراف راندال ميندي (ليوناردو ديكابريو)، وبينما هي منخرطة في أبحاثها في الفضاء وخلافه، تكتشف أن مذنّبًا ما قادمًا تجاه الأرض، وأنه لا يفصله عن الأرض سوى ستة أشهر وبضعة أيام.

في البدء، يصاب الجميع بذهول ثم يقرر دكتور ميندي وديبياسكي التحدث إلى الناس، وإعلامهم بالحقيقة، حتى لقد وصل بهما الأمر إلى الذهاب إلى رئيسة الولايات المتحدة الأمريكية جاني أورليان (الممثلة ميريل ستريب)، التي لا تأخذ الأمر على محمل الجد إطلاقًا.

ولكن الأمور تنقلب فيما بعد، فوفقًا لحساباتها السياسية البحتة، ترى أنه من صالحها أن تظهر للناس اقتناعها بفكرة المذنب القادم إلى الأرض ذاك، بل وتجهز حملات وسفن فضائية لمهاجمة المذنّب وتحريف مساره، وعلى إثر هذا تفوز بالفعل في الانتخابات النصفية باكتساح، لكن الأمور لا تنتهي عند هذا الحد.

فيلم Don't look up

هيمنة التقنية

كانت شركة تسمى باش، مديرها التنفيذي بيتر إيشيرويل (الممثل كريس إيفانز) تقرر أن تستفيد من هذا المذنّب، عبر استخدام من المواد الموجودة به؛ فتقرر إرسال بعثات ومعدات فضائية لتفتيت المذنّب حتى يتم الحصول على ما به من مواد وعناصر.

بالطبع يعارض دكتور ميندي والباحثة ديبياسكي هذه الفكرة _ فهل من المنطق أن يموت الناس جميعًا من أجل الحصول على بعض الأموال؟! وما نفع هذه الأموال إذا كان الهلاك مصير الجميع؟! _ غير أن إيشيرويل يقرر المضي قدمًا فيما يريد. لا يصده شيء عن عزمه ذاك، سوى فشل بعثاته.

وفي النهاية، يصل المذنّب إلى الأرض، ويقضي على كل شيء، وهو ما توقعه العلماء وحذروا منه، لكن هل يستمع أحد إلى صوت العقل أو الحقيقة؟! كل الذين قالوا الحقيقة شُهّر بهم.

سطوة وسائل التواصل الاجتماعي

في هذا الفيلم، تتداخل عوامل جمة، أو بالأحرى يتطرق هو إلى مسائل متعددة الجوانب، فمثلًا يشير الفيلم إلى اللامبالاة الجماهيرية التي تسم الفرد في العصر الحديث، فحين ظهر الدكتور ميندي في التلفاز ليحدث الناس عن هذه المأساة الوشيكة، تحدث الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، أن عالم الفضاء هذا مثير جنسيًا، وأثنى الناس على وسامته، وهو ما يذكرنا بما قاله جيل ليبوفتسكي في كتابه «عصر الفراغ»؛ حيث أشار إلى ظاهرة اللامبالاة الجماهيرية تلك قائلًا:

«لا تعني النرجسية، خلافًا لما كتب هنا أو هناك، الانسحاب السياسي الذي تشهده اللحظة، وإنما تعني بشكل عام الارتخاء الذي ألم بالرهانات السياسية والأيديولوجية، والاهتمام الزائد بالمسائل الذاتية الذي رافق ذلك. يحيل انتشار رياضات ركوب الأمواج والتزلج والطائرات الشراعية إلى أن المجتمع ما بعد الحداثية يعيش في عصر التزحلق، وهذه صورة تعبر بجلاء عن زمن لم يعد الشأن العام فيه يأوي إلى ركن شديد ولا إلى عاطفة ثابتة. وتعرف القضايا البارزة التي تهم الحياة الجماعية الآن المصير نفسه الذي تعرفه الأغاني الناجحة؛ إذ إن كل القامات تسقط من عليائها، وكل شيء يتزحلق في لا مبالاة مرتخية».

يعني هذا الناس لا يفكرون فيما أبعد من مجال رؤيتهم، وعلى الرغم من أن الكارثة وشيكة تدق الأبواب، فهم غارقون في تفاهاتهم، ليس هذا فحسب، وإنما عملوا، في مرحلة ما، على التشهير بالعلماء والباحثين الذين يحذرون من هذا الخراب المعمم.

اقرأ أيضًا: إنجازات وزارة الثقافة في 2021.. عام المشاريع الناجحة والمبادرات الهادفة