"فاطمة الفهري".. مؤسسة أقدم جامعة في التاريخ

في القطاع الغربي بمدينة فاس في المغرب، يقع مبنى عريق تتوه هيئته ما بين جامع أو مبني أثري، ولكن حقيقته أنه مقر لجامعة القرويين، والتي تصنف كأقدم جامعة في العالم أسستها التونسية فاطمة بنت محمد الفهري، والتي تعود أصولها إلى ذرية عقبة بن نافع الفهري القرشي؛ فاتح تونس ومؤسس مدينة القيروان.

ولدت فاطمة الفهري عام 800 ميلاديًا، وهاجرتْ من القيروان "تونس حاليًا" إلى فاس عاصمة الأدارسة "المغرب حاليًا"، وعند وصولها شرعت في بناء مسجدًا في المدينة، وبعد وفاة والدها محمد بن عبدالله الفهري، والذي كان ذا مال عريض وثروة طائلة، ولم يكن له من الأبناء سوى بنتين هما فاطمة ومريم.

قامت فاطمة بإعادة بناء المسجد مما ورثته من أبيها، وضاعفت حجمه بشراء الحقل المحيط به من رجل من هوارة، وضمت أرضه إلى المسجد، وأنفقت مالاً جسيمًا برغبة صادقة؛ حتى اكتمل بناؤه في صورة بهية وحلية رصينة.

وشرع الجامع وقتها في تنظيم دروس العلم في حرمه، حتى تحول في عهد المرابطين إلى جامعة حقيقة بسبب إنتشار المدارس حوله، فتم تعزيز الجامع بالعديد من العلوم الجديدة، مثل: "الفقه، والأدب، والرياضيات، والفلك، وغيرها"، إلى أن تحولت لجامعة شاملة لكافة العلوم، وتصنف بأنها الأقدم في العالم، حيث تسبق جامعات أوروبا بحوالي قرنين من الزمن، حيث يرجع تأسيس أول جامعة في أوروبا وهي المدرسة الطبية بساليرن في صقلية جنوب إيطاليا عام 1050م.

وكانت لفاطمة سيرة حسنة في عصرها، حيث قال عنها المؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب، في كتابه "شهيرات التونسيات" حول بنائها المسجد الذي تحول إلى جامعة، أنها التزمت أن لا تأخذ مواد البناء إلا من نفس الأرض التي اشترتها دون غيرها، فحفرت كهوفا في أعماقها وجعلتْ تستخرج الرمل الأصفر والحجر؛ لتبني به تحريًا منها أن لا تدخل شبهة في تشييد المسجد.

وتوفيت فاطمة عام 878 ميلاديًا، لتترك وراءها إرث عظيم، تحول لواحد من الصروح العلمية في العالم، يحتوي على 4000 مخطوطة تشمل مخطوطات للقرآن الكريم من القرن التاسع الميلادي، ومجموعة من أقدم الأحاديث النبوية.