طريق الكباش.. أسطورة الأقصر في الماضي والحاضر

تغمرك بدفء لا مثيل له، وتخطفك تفاصيلها إلى أبعد ما يكون، يكفي أن تخطو خطوة واحدة على أرضها لتجد نفسك تعود إلى حضارة صمدت بقوة لأكثر من 5 آلاف سنة، لكنك تشعر في الوقت ذاته بتلك الرفاهية التي تميز وقتنا الحاضر، هي الأقصر عاصمة الآثار عن جدارة، ووطن كل ما هو جميل، وموطن الكرم.

أبهرت مصر العالم من جديد، باحتفالية طريق الكباش، ذلك الطريق الأثري العريق الذي يربط بين معبدي الأقصر والكرنك، لم يقتصر الإبهار على ما تضمنه الحفل من تجهيزات ضخمة، ولكن كان الإبهار في تلك العراقة التي بدا عليها طريق الكباش في ثوبه الجديد، وذلك الجهد الذي بذلته مصر على مر سنوات طوال؛ لتصل إلى ما وصلت إليه من تطوير لهذا المعلم الأثري الفريد.

أعادت هذه الاحتفالية الملحمية اكتشاف الأقصر بتفردها بما تحويه من آثار لا مثيل لها في العالم، فبرز من جديد رونق وعراقة الأقصر بشكل عام، وطريق الكباش ومعبدا الكرنك والأقصر بشكل خاص.

طريق الكباش.. تجربة فريدة بين 3 حضارات

تعود جاذبية طريق الكباش، إلى ما يحتوي عليه، فهو ليس مجرد طريق؛ إذ يصطف على جانبيه حوالي 1200 تمثال، نُحت كل منها من كتلة واحدة من الحجر الرملي.

وستجد الكباش في هذا الطريق - البالغ طوله 2750 مترًا، وعرضه 700 متر-على هيئتين: الأولى على شكل جسم أسد ورأس إنسان، والأخرى على شكل جسم ورأس كبش.

طريق الكباش

وكان يُطلق على هذا الطريق قديمًا، طريق المواكب الكبرى؛ حيث كان يمر من خلاله المواكب الملكية لملوك الفراعنة، وكانت تحيا عليه أعيادهم؛ مثل عيد الأوبت، وعيد تتويج الملك.

فإذا كنت ترغب حقًا في رحلة ساحرة وخيالية، فجهز حقيبتك واذهب إلى الأقصر؛ لتخوض تجربة فريدة في طريق يمنحك تجربة مميزة، فإذا كنت قد شاهدت الأقصر قبل سنوات، فاستعد الآن لمتعة جديدة ومختلفة.

يوفر طريق الكباش- بعد تطويره- الوقت والجهد على السائح، فيمكنه الآن زيارة معبدي الأقصر والكرنك، دون الاضطرار للخروج من الشعور الذي اعتراك، وكأنك عدت إلى العصر الفرعوني دون أي مؤثرات للحاضر، فالزائر يمكنه أن يعيش أجواء خاصة جدًا يشتم خلالها رائحة الماضي بتفاصيله.

طريق الكباش الذي يزيد عمره عن 3500 عام، يربط بين أكثر من حضارة، تبدأ بالحضارة الفرعونية ممثلة بمعبد الكرنك، ثم الحضارة القبطية بزيارة كنيسة العذراء الواقعة في حرم طريق الكباش، ثم الحضارة الإسلامية بزيارة مسجد أبو الحجاج، المُشيد على الجانب الشمالي الشرقي من معبد الأقصر، والذي يعود تاريخ إنشائه إلى العصر الأيوبي.

طريق الكباش

وإذا كنت من عشاق السياحة الأثرية والتاريخ، فهذا الطريق يجمع تلك الحقب الزمنية المختلفة في مكان واحد، بخلاف ما يضمه من آثار فرعونية؛ حيث لا تجد في العالم مكانًا واحدًا يضم هذه الكمية من الآثار والحضارات.

ولعل ما يدهشك حقًا، أن هذا الطريق كان مدفونًا بالكامل؛ حيث شُيدت عليه المباني والمدارس، فقامت عليه حياة كاملة، إلا أن الحكومة المصرية -بعد اكتشافه- بذلت جهدًا كبيرًا، ووفرت بديلًا للأهالي لنقلهم من هذه المنطقة، مقابل ترميمه الطريق بالشكل المثالي.

استغرق ذلك حوالي 72 عامًا؛ إذ بدأ اكتشاف الحفائر الخاصة بالطريق في عام 1949 بإجمالى 8 كباش، ثم توالت عمليات الحفائر؛ ليتضح أنه هو طريق الكباش الكبير، ثم استمرت الاكتشافات حتى قبل انطلاق الاحتفالية في نوفمبر 2021؛ باكتشاف المزيد من القطع الأثرية المتعلقة بهذه المنطقة.

ومنذ عام 1984 حتى عام 2000، تم تحديد مسار الممشى بالكامل، أما مشروع التطوير فقد بدأ فعليَا في عام 2007، ثم توقف في عام 2011، ثم يُستأنف فيه العمل منذ عام 2017 وحتى عام 2021.

معبدا الأقصر والكرنك أيقونة الحضارة

يربط طريق الكباش معابد الكرنك شمالًا بمعبد الأقصر جنوبًا، ويُعد مجمع معابد الكرنك بمثابة أيقونة للحضارة المصرية على أرض طيبة (الأقصر حاليًا)؛ إذ يتميز بتصميمه الفريد؛ فقد بُني بدقة هائلة، تؤكد على مهارة المصري القديم، فلا زالت جدرانه تحتفظ بنقوشها بألوانها الزاهية دون تغير، فلا تشعر بأنه مر عليها أكثر من 5 آلاف عام.

والكرنك، هو مجموعة معابد وبنايات وأعمدة؛ حيث استمرت عمليات توسيعه وبنائه منذ العصر الفرعوني، وتحديدًا ملوك الدولة الوسطى وحتى العصر الروماني.

وكذلك، لا يمكنك تفويت حضور عرض الصوت والضوء ليلًا في معبد الكرنك؛ حيث يحكي المعبد تاريخه العريق وتاريخ الأقصر القديمة، في أجواء ممتعة.

ويُعد معبد الأقصر، أحد أشهر المعابد الفرعونية على الإطلاق؛ حيث يوجد في وسط المدينة على بعد 3 كم إلى الجنوب من معبد الكرنك.

شارك في بناء معبد الأقصر عدد كبير من الملوك على مر العصور، من بينهم : الملكة حتشبسوت، أمنحتب الثالث، توت عنخ آمون، حور محب، ورمسيس الثاني.

لذلك يضم حرم المعبد مقتنيات أثرية، عثر على بعضها، ومازال بعضها الآخر تحت الأرض، في انتظار عمليات الكشف والحفر والتنقيب؛ إذ يعد معبد الأقصر بمثابة أكبر متحف مكشوف في العالم.

طريق الكباش

لا يمكن إنكار أن مصر وطن لعدد ضخم من الآثار المتنوعة الشاهدة على حضارات مختلفة؛ لذلك فهي من المناطق السياحية التي تتمتع بمكانة عالية عالميًا.

عادت مصر بقوة لتروج إلى أجمل وأبهى مناطقها السياحية على الإطلاق؛ للتأكيد على أنها تجمع على أرضها بين عبق التاريخ القديم ورفاهية الوقت الراهن، فتسير مصر في طرق موازية للحفاظ والاعتزاز بحاضرها، مع التأكيد على انفتاحها على كل ما هو جديد لتوفير تجربة سياحية متكاملة للزائرين، فأعادت احتفالية الكباش طرح مصر كدولة حديثة تعتز بحضارة الأمس، وتتطلع إلى مستقبل مشرق.

اقرأ أيضًا: «الأصالة والمستقبل والمكان».. الكشف عن رؤية ساحة الدرعية