في طرقات الوهم الاجتماعي، تسير نحو درب مجهول، تترنح بعد أن أصابتها رصاصات التجنٌب من العدوى في قلبها البريء؛ هكذا يُصبح «البهاق» شبحًا يطارد صاحبته، وصمة عار تستمر أمد الدهر.
وبدلًا من أن يقابلها الأحباء بأذرعٍ مفتوحة؛ فإنهم يوجهون إليها نظرات الاشمئزاز، وحكم بالإعدام لمرض لا يعتبر سوى دليلاً قاطعًا على غدرهم بها.
لقد حددت المجتمعات، ملامح مستقبل الفتاة المصابة بالبهاق بالفعل؛ بسبب بضع تصبغات لونية ظهرت على وجهها، أو يديها، ويبدو أنهم أعطوا لأنفسهم الحق بأن يتنمّروا عليها، يخافون على أطفالهم من التعامل معها، ويوجهون إليها أصابع الاتهام، راكضين أميالاً مبتعدين عنها، متجنبين العدوى من مرض لا علاج له، ومع مرور الوقت، تغدو المصافحة باليدين أمنية لا تنالها سوى في أحلامها، حتى أصبح فقدان لون الجلد هو الخسارة الأقل في حياتها.
إن الخسارة التي تتعرض لها مريضة البهاق تكمن في ابتعاد الناس عنها، وتجنبهم إياها؛ فهي لا تعاني من مرض يصعب علاجه؛ بل إن المجتمع يساهم بطريقة ما في تفاقم حالتها، وازدياد الأمر سوءًا؛ حيث إن تدمير حالتها النفسية يزيد من التصبغات اللونية الظاهرة على جلدها، والتي تنتشر بفعل القيل والقال، وتصبح "ضحية" تحارب في معركتها الخاصة؛ اعتمادًا على قوتها الداخلية.
أوضح الدكتور مهدي سفيان أن البهاق يمكن أن يظهر بوضوح كلما كان لون البشرة داكنًا؛ إلا أن ذلك لا يجب أن يقف حائلاً بين المريض وعلاجه، معتبرًا أن العالم أصبح أكثر وعيًا في الآونة الأخيرة، فيما يتعلق بهذا المرض.
قال استشاري الأمراض الجلدية: "إن البهاق قد يكون مرضًا واضحًا بالفعل؛ إلا أنه علامة تميز أصحابه، ممن يتمتعون بقدرات خارقة على التصدي للمصاعب في الحياة"، مشددًا على ضرورة التعامل بطريقة طبيعية مع مرضى البهاق؛ فهم الأكثر حساسية، نظرًا لمعاناتهم بأمر يتعلق بمظهرهم الخارجي، مما قد يقلل من عزيمتهم، أو يثبط قواهم، مؤكدًا أنه ليس مرضًا معديًا على الإطلاق، كما يروّج له البعض بأنه يمكن انتقاله عبر اللمس.
تتمثل أعراض البهاق في فقدان لون البشرة، وظهور بعض البقع البيضاء على الوجه، الأيدي، الذراعين، والشفاه؛ وهي أكثر المناطق المعرضة لضوء الشمس، وقد يصل إلى الأقدام، فروة الرأس، الرموش، والحاجبين، كما يتسبب في تغيير لون الطبقة الداخلية من مقلة العين.
وشدد الدكتور مهدي على ضرورة زيارة الطبيب؛ فور اكتشاف هذه الأعراض.
وأضاف: "يجب التنويه أن العلاج يعتمد على التعرف على التاريخ المرضي للعائلة؛ فقد يكون المرض وراثيًا في العائلة، وقد ينتقل إلى الأجيال القادمة"، مشيرًا إلى أنه عندما تصاب المرأة بالبهاق؛ فإن حياتها تنقلب رأسًا على عقب؛ لذا فإنها تسعى للعلاج بشتى الطرق.
قال استشاري الأمراض الجلدية، إنه لا توجد وسيلة لمنع البهاق؛ لكن الوعي بالعلامات، يعتبر العامل الأكثر أهمية لمعالجة المشكلة، فضلاً عن معرفة الظروف الحياتية التي مرت بها المصابة، والتي يمكن أن تؤثر بالسلب على حياتها، وتتسبب بالفعل في معاناتها مع البهاق.
وأضاف أن السبب الأقوى الذي يضمن توفير العلاج للمريض، هو تجنب التوتر والقلق؛ حيث يجب أن يتوفر للمصاب بالبهاق، حياة اجتماعية إيجابية، في ظل بيئة تضمن له الاستقرار النفسي.
قال الدكتور عادل بلقاسم إن التعامل بقسوة أو اعتزال المصابين بالبهاق، قد يتسبب في ازدياد حالتهم المرضية سوءًا، إلى جانب الضرر النفسي الواقع عليهم؛ وذلك عندما يتم الزج بهم في سجن المجتمع الذين يكره حتى مصافحتهم.
وأوضح أن المعاملة التي يتلقاها مصابو البهاق، قد تهدد مصيرهم فيما بعد؛ فإنها قد تسبب في اعتزالهم الناس؛ ما يدمر حياتهم الاجتماعية، الأمر الذي قد يتفاقم فيما بعد ويصل إلى المعاناة من الاكتئاب، أو الانتحار بسبب تنمر الآخرين، وابتعاد المحبين عنها، وغياب المودة عن دنياهم.
وأوضح أنه رغم بساطة المرض؛ فإنه لا يتم النظر إلى البهاق، كما يتعامل البعض مع العيون الملونة _ على سبيل المثال _؛ فهم دائمًا في حالة هوس حقيقية بها؛ رغم كونها قصورًا خلقيًا، فنجد المجتمع يبتعد عنهم، ويعتزلهم؛ تجنبًا لعدوى وهمية خلقها تفكيرهم العنصري.
اختتم استشاري الصحة النفسية تصريحاته مؤكدًا على أهمية التعامل بطبيعته مع المصابين بالبهاق، مؤكدًا أن الجمال يكمن في عيون الناظرين؛ وهو المبدأ التي يعتمد عليه ثقافة الاختلاف في المجتمعات المتحضرة؛ حيث إن الجميع سواء، ومن ثم؛ فإنه لا يجب التعامل معهم وفقًا لبعض الأوهام التي نشرتها المجتمعات قديمًا، فمرضهم قرر أن يرسم لوحة مشاعر تنتفض في وجه الحزن، علمًا بأن المرض الأشد قوة يكون لدى النفوس المريضة التي تتخلى عن دعم تلك الأرواح مرهفة الإحساس في أبسط معاركهم مع الحياة.