صبحة بغورة تكتب: هلّ هلال العيد.. بأي حال عدت يا عيد!

يحل علينا عيد الفطر المبارك مؤذنا بفرحة الصائم بفطره إلى حين يلقى الله فرحًا بصومه.

يحل العيد هذا العام 2021 بعدما اشتد تفشي الموجة الثالثة من فيروس كورونا الذي تحور ليصبح أشد فتكا بالبشر، حتى دعت خطورته إلى تجديد التذكير مرارًا بجملة المحاذير الضرورية والبروتوكولات الصحية المفروضة والإجراءات الوقائية الواجبة الموجه لكل الناس، حتى تكاد لا تنقطع في مختلف وسائل الإعلام في كل دول العالم تدعو بإلحاح شديد إلى أهمية توخي المزيد من الحذر لتجنب خطر الإصابة بهذا الوباء، وإلى ضرورة الالتزام بالضوابط السلوكية التي لاشك ستجعل أيام عيدنا تمر جافة، باردة فارغة من مظاهر العواطف الإنسانية النبيلة، وخالية من المشاعر الإيمانية الجميلة.

وحيث لا فرصة للتعبير المباشر عن الأحاسيس الدافئة؛ إذ سيصبح من واجب كل فرد أن يتجنب الاختلاط والتواجد في الأماكن المزدحمة، وأن يراعي مسافة الأمان بينه وبين الآخرين لمسافة متر على الأقل وأن لا يكثر من الحديث والكلام ويلتزم بقاعدة التباعد الاجتماعي حتى في الإطار الأسري والعائلي وأن يتقيد بعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى.

ضوابط قاسية، سينتج عنها تقليل تبادل الزيارات العائلية إلى أدني حد في أيام العيد، والالتزام بالبقاء في المنازل، ولأنها تعني حرمان الناس من فرصة تواصلهم الطيب الرقيق والتراحم اللطيف فيما بينهم ومن التقرب لصلة الرحم، ولكنها أيضا ستعد في مثل هذه الظروف الاستثنائية إجراءات ضرورية منعا للتهلكة وانتشار العدوى بالفيروس الخطير بعد تسجيل ارتفاع كبير في أعداد المصابين به وفي عدد الوفيات عبر كل دول العالم.

ومن المتوقع والحال هكذا، أن يزداد الضغط على مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الالكتروني وعلى الهاتف؛ لتبادل التهاني بالعيد ورسائل المعايدة، ولا يبدو أن أحد سيسعد بحرمانه من ابتسامة الآخر أو بمصافحته و بإطفاء شوقه له بعناقه أو بتبادل القبلات، معه بل سيكون عليه الاكتفاء بسماع صوته فقط لمعرفة الأخبار والأحوال.

قيد شديد مفروض على الطبيعة الاجتماعية لسلوك البشر، ويبدو أن عليهم أن يتقبلوا التكيف معه لفترة غير محددة من الوقت وأن يألفوه إلى حين ميسرة، وسيحدث أن يغمر أحدهم إحساسا قويا برغبة جامحة في التواصل عن قرب مع أبويه، وأن يندفع بكل شوق المسافر أو المغترب إلى حضن أمه أو أن يداعب أحدهم أبنائه أو أشقائه بعد طول فراق من أجل العمل أو الدراسة لسنوات قضاها بعيدا عنهم، برغم كل ما يحمله هذا التصرف من مخاطر حقيقية باحتمال نقل العدوى.

إن الحساسية البالغة التي تنطوي عليها المحاذير الصحية المفروض اتباعها تطفئ في النفوس لهفة المشاركة الأسرية والعائلية بفرحة اللقاء في العيد، تلك المناسبة السعيدة التي تعد فرصة للتقارب والتصالح وتجديد الصداقات، وهي الفرصة الطيبة ليؤكد كل فرد بنوته الحقيقة الصادقة نحو أبويه وبره بوالديه وحبه لأسرته.

ويمكن أن ينعكس أثر مثل تلك الأجواء سلبا على الأطفال الذين سيشعرون بقدر من القيود المفروضة على حركاتهم، فتحد من تنقلاتهم وتعيق انطلاقهم ومرحهم ولهوهم على نحو يخالف ما ألفوه في الأعياد السابقة، فلا مجال للنزهات والتواجد في التجمعات والذهاب إلى المحلات التجارية الكبرى، بعد أن فرضت الكثير من البلاد حظر التنقل خلال ساعات طوال من اليوم؛ حيث تتوقف فيها الحركة التجارية عن العمل، وتغلق المقاهي والمطاعم والمولات والكافيتريات أبوابها وتنقطع فيها سبل المواصلات، وتفرض السلطات الأمنية قيودًا على الحركة وموانع على التنقل والسفر برًا وبحرًا وجوًا تفرض عقوبات وغرامات مالية على المخالفين.

وضع استثنائي ولن يلغيه أن يصادفه حلول أيام فرحة المسلمين، ذلك لأن عيد الفطر بطبيعته مناسبة احتفالية ذات خصوصية بالغة عند عموم المسلمين، فبمجرد الإعلان عن حلوله يثير في حياة الصائمين المؤمنين بهجة كبيرة تنعش القلوب وتنتشي بها النفوس، ولأيامه حلاوة ذات مذاق خاص وصباحه ليس ككل صباح مر علينا على مدى شهر كامل أو عام مضى.

العيد عند الأطفال فيعني الكثير، إنه الملابس الجديدة، الحلويات، الزيارات النزهات والهدايا والعيدية، ويمكن أن يتمتعوا ببعض منها ولكن ما من أحد يضمن ألا تلقي الأوضاع الصحية الحرجة على البعض الآخر بظلالها الثقيلة من ذكريات المرض والآهات والأيام المريرة، فالملايين من البشر الذين توفوا تركوا وراءهم في ذويهم من يتذكرونهم بأسى ومن يتحرقون شوقا إليهم، ومن يبكونهم ألما ومن سيفتقدونهم حتما في العيد.

وفي كل الأحوال، ستبقى الحياة مستمرة وتدعونا ألا نستسلم لمرها، بل أن نعيشها ونستمتع بحلوها ونسعد بها ونستبشر خيرًا بالقادم من الأيام، وعلينا أن نهدي بعضنا أجمل التهاني وأحلى الأمنيات بعيد الفطر.. جعل الله تعالى أيامه مباركة وسعيدة، وكل عام وأنتم بخير.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: رمضـان طاقـة الإلهام والنور