صبحة بغورة تكتب: غيرة الرجل من نجاح زوجته.. ضعف شخصية أم عدم ثقة؟!

بعدما صار خروج المرأة للعمل ضرورة اقتصادية وحاجة ملحة لها ولعائلتها، وبعدما حققت لنفسها الاحساس بمتعة النجاح المهني وعرفت معنى التفوق الوظيفي وأرضت بذلك غرور نفسها، وقد أثبتت أهميتها واستحقاقها للمكانة المرموقة التي تتبوأها اجتماعيا، ثم تذوقت حلاوة الشعور بالأمان المادي وأدركت أهمية الاستقلالية، ها هي الأيام تحمل ما قد تواجهه المرأة العاملة في حياتها الزوجية ما يمكن أن يخالف تماما القيم التي نشأت عليها والمبادئ التي تربت وتأثرت بها في منزل والديها.

وقد تضطر المرأة إلى التخلي عن كل ما حققته من نجاح وأن تتراجع بالتالي عن أحلامها وتهدم آمالها، ومن هنا يثور التساؤل الحائر، هل الزواج يدفع على طريق النور خطوات من النجاح والتطور؟، أم يسحب الأوضاع القائمة نحو الظلام الفكري مسافات للخلف؟، وهل الأمر يتعلق بضوابط سلوك الأسر المحافظة والتقيد بالحياء والحشمة؟، أم أن ثمة ما يوحي على الاعتقاد بأن كبح جماح الزوجة الناجحة وراءه وجود غيرة زوجية مدمرة!. وهناك من الأزواج من يطوق زوجته العاملة برفضه الصريح لخروجها إلى العمل متأثرًا بنشأته في مجتمع ذكوري يكون فيه الرجل السيد المطاع، الآمر الناهي، أو أن يحاصرها لمنعها من مواصلة العمل لأنه يكون قد بدأ يشعر فعلًا بالغيرة من ما تحققه من نجاح مهنيا واجتماعيا ونفسيا.

وعلى الرغم من أنه قد يضطر على مضض إلى قبول خروج زوجته للعمل من أجل أن تساعده ماديا في الوفاء بمستلزمات واحتياجات الأسرة، إلا أنه في الحقيقة لا يريد لها أن تحقق نجاحا لم يسبقها هو إليه أو أن تتقاضى راتبا شهريا يفوق ما يتقاضاه ، إنها الغيرة التي ستبلغ أكبر مستوياتها إذا كان الزوجان يعملان في نفس التخصص أو بنفس موقع العمل.

وتعددت الآراء لتفسير خلفيات هذه الظاهرة، بين الاعتقاد بأن غيرة الرجل من زوجته وأسرته، وعشقه أن يكون هو المثل الأعلى الوحيد لأولاده ، لكن عندما تنافسه المرأة على هذه المكانة أو تنزع ما يزعمه "بالحق المكتسب" تدب الغيرة في قلبه بسبب نجاحها.

اقرأ أيضًا.. تخلصي من دهون البطن والأرداف.. بـ4 وصفات طبيعية

وهناك من يرى أن طبيعة الرجل وطبيعة بيئة وظروف نشأته، جعلته يستمتع عندما يكون هو موقف المانح دائما، وعندما تحقق المرأة مستوى من الاستقلال المادي يشعر أن استقلالها يهدد مكانته وسط أولاده خاصة لو تقلدت منصبًا أعلى من منصبه، وهو في النهاية لا يحب أن يكون موضوع مقارنة خاسرة مسبقا أمام الجميع، أو أن الرجل يشعر بالغيرة عمومًا من أي انثى ناجحة سواء كانت زوجته أو زميلته في العمل، لأنه تعود أن يكون دائما الأفضل بحكم التربية التي ترسخ تفضيل الولد على البنت في المعاملة.

وعليه، يكون من الطبيعي أن تتملك الرجل الغيرة عندما يتزوج بامرأة ناجحة خاصة لو كانت في نفس مجال عمله، ويذهب رأي آخر إلى التأكيد بأن العاقل هو من يتزوج امرأة أقل منه في المكانة العلمية والعملية طالما لم تتم تربية الرجل في بيئة تحث على احترام المرأة و ترسيخ مفاهيم أنها مخلوق كامل مثله تماما له الحقوق وعليه واجبات، وأن الفروق الوحيدة بينهما هي فروق فسيولوجية، ما تكون نتيجته رجلًا واعيًا يساعد زوجته على تقلد أعلى المناصب.

وتؤكد الآراء المعتدلة أن "كره" الرجل لنجاح المرأة، دليل على ضعف في شخصيته وعدم ثقة في النفس وعدم إيمان بدورها في المجتمع، وأن لها حقوق وواجبات والتزامات وكرامة منحتها لها الشريعة السمحة، ولكنها غيبت بسبب الجهل المتراكم عبر السنين، وأن الوضع يتطلب التشجيع على تطبيق ما يقال بصورة عملية لغرس الثقة بالنفس واتاحة الفرص، لتكسير الحواجز التقليدية البالية وهو الدور الذي يمكن أن يقوم به الرجل في محيطه الأسري على الأقل.

وعلى الزوج، أن يتجاوز الغيرة السوداء، لأن الرجل أشد غيرة من المرأة ويتميز عنها في الغيرة بالعمق والتركيز والوصول إلى قاع الغيرة والاستشاطة غيظا لأتفه الأسباب على خلاف غيرة المرأة التي تتصف بالسطحية، مقارنة بغيرة الرجل؛ حيث تغير المرأة من بنات جنسها فقط ، أما الرجل لا يغار من ابن جنسه الأكثر نجاحا ووسامة فقط ، وإنما من النساء الناجحات في مختلف مجالات العمل والحياة.

وتشتعل غيرة الرجل تجاه المرأة عندما تتفوق عليه في مجال العمل، خاصة إذا كانا زوجين، فالرجل لا يتمنى أن يكون تابعا لزوجته أو أن يحيا في ظل شهرتها حتى لو كان ناجحا في عمله.

وهناك العديد من الحالات التي فشلت فيها سيدات في حياتهن الأسرية بسبب شهرتهن أو نجاحهن الذي لم يتحمله أزواجهن، وبعضهن يرفضن الحديث عن تفاصيل أعمالهن احتراما لشعور أزواجهن ولتجنب إثارة مشاعر الضيق والغيرة في نفوسهم. الأصل في الحياة الزوجية أن يكون على أساس الاحترام المتبادل والانسجام والتوافق، ولاستمرار الكيان الأسري قائمًا يجب على الزوج أن لا يظهر تزمره الدائم من زوجته أو ضيقه الواضح من نجاح زوجته، فبقدر مشاركته فرحتها بالنجاح وتفاعله الوجداني معها بقدر ما سيجني ودها ومحبتها

وينبغي أن لا يوجه لها انتقاداته اللئيمة وقت تناول الطعام، أو يحاسبها على أوقات خروجها ودخولها أمام أولادها بأسلوب خبيث مثير للريبة الظالمة والشكوك غير المؤسسة، وأن لا يحمل زوجته عمدًا ما لا تطيق من الواجبات المنزلية لفرض سيطرته داخل البيت ليس أكثر، وأن لا يكون بعصبيته الزائدة مصدر توتر داخل أسرته يمكن أن يؤثر على نفسية أطفاله.

ومن جانب الزوجة الحصيفة، فالسبيل إلى الإصلاح والتودد لزوجها لن يكون عسيرًا عليها لتهدئة الأجواء لفترة من الوقت، ومع الاعتراف بأنها ستجد نفسها في النهاية مرغمة على اتخاذ القرار الصعب والاختيار ما بين البقاء في عملها وقرار زوجها، وسيكون الأمر من وجهة نظرها أنها قادرة على الاستمرار في أداء العمل وفي الوقت نفسه قادرة على النهوض بواجباتها المنزلية وإدارة شؤون بيتها والاهتمام بزوجها وأطفالها بشكل مناسب.

ولكن التجارب تشير إلى أن ذلك قد يكون ممكنا لو وجدت الزوجة تعاونا وتفهما من قبل زوجها، وعلى الزوج إذا كان موافقا منذ البداية على عمل الزوجة فعليه دعمها والوقوف إلى جانبها ومؤازرتها، وإذا حققت نجاحا وتفوقت في العمل فعليه أن يعتبر ذلك نجاحا له أيضا وللأسرة كلها، وعلى الزوجة اللبقة أن لا تنسى أن تشعره بأنه كان السبب في تحقيق هذا النجاح وأنه لولا دعمه وتفهمه لما حققته. على المحبة والاحترام يبنى الزواج، ونجاح أي فرد في العائلة هو نجاح للجميع، وللثقة بين الزوجين دور كبير في استقرار وتفاعل عناصر المجتمع المختلفة، وهي نواة لنزع الظنون والأفكار المتخلفة وهي أيضا نواة لزرع الود.

الثقة بين الزوجين لا تؤثر فقط على حياتهما المشتركة ولا على أسلوب تعاملهما معا ولا تقتصر عليهما، بل تنتشر بين الأولاد؛ فإذا وجد ما يزعزع الثقة ويقتلها فإن كيان الأسرة سيهتز بكل بقوة على وقع الظن والشك الذي يعني الميل إلى عدم الاقتناع وتوقع الشر من الآخر، مما يستحيل معه استمرار الحياة الزوجية، وهنا يكمن الخطر على الكيان الأسري.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا.. صبحة بغورة تكتب: الذكاء العاطفي عند الطفل