صبحة بغورة تكتب: عندما يعتذر الأزواج.. هل تغفر المرأة زلات الرجل؟

لاشك أن اعتذار المخطئ سلوك حضاري بين عامة الناس، ولكن القليلون فقط من الأزواج يجدون في أنفسهم الشجاعة الكافية للاعتذار، فهل حقيقة يشعر الأزواج بهدر الكرامة عندما يعتذرون عن أخطائهم لزوجاتهم؟ وهل لدى المرأة استعداد للتعايش مع أخطاء الزوج المتكررة؟.

عندما تتعمق فجوة الخلاف بين الزوجين، عادة ما تغادر الزوجة بيت الزوجية كوسيلة من وسائل التعبير عن غضبها واحتجاجها على معاملته لها، وبعد أن يبدو لهما استحالة استمرار الحياة الزوجية بينهما بسبب تمادي أحدهما في إساءة معاملة الآخر، وبعد أن تصبح الحياة الزوجية غير ذي موضوع ولا يكون هناك من حل سوى الانفصال؛ يفتح الباب واسعا للطلاق لينصرف كل طرف في حال سبيله وقد يشق طريقه في الحياة مع شريك آخر يجد معه سعادته.

ولكن قد يجد الأهل والأقارب أنفسهم أمام موقف لم يكن في الحسبان، فبعد أن ظنوا أن العودة مستحيلة يحدث أن يعلن الزوجان فجأة قرارهما إعادة حياتهما إلى سابق عهدها، ثم لا تلبث أن تعود المياه إلى مجاريها ويبدأ الشريكان حياتهما معا بداية جديدة وسط تساؤلات حائرة كيف تمكنا من ذلك بعد كل ما حدث بينهما؟، وكيف تجاوزا خلافهما الذي كان عميقا ولا يستبعد معه أن يكونا قد فقدا احترامهما لبعضهما وتبادلا مختلف أنواع الاتهامات والبذاءات الجارحة؟.

إن العمل على رأب الشرخ الذي يصيب العلاقة الزوجية، ثم محاولة إعادة طبيعتها إلى سابق عهدها ليس سهلًا، لأنه قد يتعلق بهزة نفسية عميقة وجرح عاطفي غار لا يمكن التأكد من حقيقة التعافي منه بسرعة أو بسهولة.

والمؤكد أن الأمر قد اقتضى تحقق قدر كبير من الصفح الكريم وتوفر مساحة نفسية واسعة من المسامحة، وبذل بعض الجهد لنسيان ما حصل؛ لأنه من غير الطبيعي أن يستمر الزوجان في العيش تحت سقف واحد وكلاهما يضمر للآخر الكثير من مشاعر الحنق والغضب.

يكاد معظم الأزواج الكرام من المخطئين في حق زوجاتهم سواء بالقول أو بالفعل يقصرون لحظات تقديم الاعتذار وطلب الصفح والسماح على أوقات وأماكن معينة كانت شاهدة على حبهما، وغالبًا ما تكون في ساعات متأخرة من الليل التي تعني أنها أكثر اللحظات حميمية في العلاقة الزوجية.

ولكن كثيرا ما يستشعر آخرون بعض الدونية بل والمهانة وهم يقدمون اعتذارا لابد منه مضطرين عن خطأٍ جسيم اقترفوه، ولذلك يبحثون عن بدائل يختارونها للتعبير عن أسفهم دون أن يضطروا إلى النطق الصريح بالكلمات الدالة على ذلك، ويمكن أن يكون سبيلهم لهذا بعض تقديم الهدايا أو الدعوة لتناول العشاء بأحد المطاعم الفاخرة أو سماعها الكلمات الرقيقة وإظهار الاستعداد للمعاونة وعرض المساعدة في القيام ببعض أعمال المنزل.

السؤال هنا، إلى أي مدى يمكن التوقع بأن هذه المجاملات كافية فعلا للإيفاء بالغرض المطلوب؟، أم أن الزوجة تنتظر اعترافًا صريحًا من زوجها يؤكد لها فيه أنه نادم على ما فعل وأنه حزين لأجل ما تسبب لها فيه من ألم، ومع ذلك ما من أحد يمكنه الإدعاء بأنه متأكد من صفاء قلب زوجته نحوه، ذلك لأن ثمة سؤال آخر حائر، هل تغفر المرأة زلات الرجل؟.

هناك من الزوجات من يؤكدن أنه بوسعهن الصفح عن كل أخطاء الأزواج وعن حماقاتهم والتغاضي عن هفواتهم مهما بلغ حجمها ما عدا المساس بكرامتهن، بينما تكتفي زوجات أخريات بأضعف الإيمان فيكفي كل زوجة القليل حتى يطوين الصفحات المؤلمة من حياتهن ويفتحن صفحة جديدة على أمل أن تكون أكثر سعادة واستقرارا، برغم أن لا شيء يمكن أن يضمن أنها أفلحت في النسيان حقا، وأن لا شيء أيضا يضمن لها أنها لن تدخل دوامة الأخطاء مرة أخرى.

الكثير من الزوجات يكشفن بكل شجاعة عن أن غلطتهن الكبرى، بأنهن صاحبات قلب أبيض يغفر كل أنواع الإساءات، وبعضهن تعمدن تجاوز الخلافات العميقة وتجنب المواجهات العنيفة حتى لا تستمر حالة الخصام طويلًا، وحرصًا منهن على إبقاء أجواء السعادة في بيوتهن، فكن بسذاجة يعفين أزواجهن من الاضطرار للاعتذار حتى ولو كان الأمر يستحق ذلك لعدم الرغبة في إحراجهم لعلمهن مسبقًا بحساسية أزواجهن من إبداء الأسف، فضلًا عن إيمانهن بأن الخصوصية والحميمية في العلاقة بين الزوجين يجعلها تسمو بكثير وتعلو على مثل هذه الحسابات التي غالبًا ما نراها حاضرة بقوة في العلاقات الإنسانية العادية، ولكنهن يعترفن بأن هذا السلوك شجع أزواجهن على التمادي في الخطأ.

والنتيجة أنهن تسببن عن غير قصد، في جعل أزواجهن لا يتحرجون من ارتكاب نفس الأخطاء وغيرها في حقهن وأمام أفراد العائلة بل وأمام الغرباء أيضًا، أما من تكررت ثوراتها الغاضبة على نفس الأسباب، فقد يصبح زوجها أكثر حرصًا واقتناعًا بضرورة تطييب خاطرها ولو بطرق شتى غير مباشرة، وهي إذا ما حدث وتجاوبت فسيكون لك للدلالة على أنها قبلت اعتذاره من أجل أن تستمر الحياة الزوجية، مكتفية بأنها استطاعت إفهامه بأن فضيلة الاعتذار مسألة أساسية ولا معنى للتنازل عنها، حتى عندما يتعلق الأمر بلك الإطار الحميمي الي تتهاوى فيه كل الحدود وتلغى أمامه جميع المسافات وهو رباط الزوجية المقدس.

ولكن مثل هذا الأسلوب سيكون دائما على حساب صحة الزوجة وعلى أعصابها، وأيضًا على حساب الحالة النفسية للأطفال الذين لن يتحملوا استمرار صراخ الأم ولن يطيقوا رؤية الشجار العنيف بين الزوجين، خاصة وأنهم في الكثير من الأحيان لا يعلمون بالضبط ما هو سبب الشجار الذي غالبًا ما ينشب بشكل مفاجئا لهم، والأقرب إلى الرشد أن ينهي الزوجان خلافاتهما بالحوار الهادئ وبعيدًا عن أبنائهم، وحبذا لو كان في مكان جميل وهادئ ومحترم.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: تعدد الزوجات بين مبرراته وموجباته