صبحة بغورة تكتب: رواد العرب في الفن التشكيلي (1 ـ 2)

الفنان يتلقى وحيه والهامه، ويستوحي بموهبته صورًا يترجمها إلى لوحات فنية مفعمة برائحة الحياة والحركة الدائمة، يشعر الناظر إليها بعبق اللوحات يخرج من الصورة، ليملأ البصر بالألوان المختلطة.

وفي هذا، يسعى الفنان إلى إجادة استخدام الجماليات؛ لتحقيق الجاذبية البصرية لتتلقاها العين بالمتعة، و يخاطب الروح؛ ليجسد أعمالًا جذابة تكشف عن رؤيته الروحية.

لوحات فنية تشرق ألوانها وتزدحم بحركات زاهية وأشكال أخاذة تجسد أعمال فنية عالية الدقة وفي منتهى الاحترافية، تبرز من خلال براعة هندستها وقوة الرسائل ومهارة التعبير ونبل المعاني.

والتجول بين لوحات الفنانين، يعد بمثابة رحلة مجانية إلى الأعماق في عالم التجربة الإبداعية الزاخرة بالإيحاءات الداخلية، التي تصنع عوالم الفنان بخصوصية وذاتية شديدة، وفيما يلي رحلة إلى عوالم بعض كبار الفنانين التشكيليين العرب..

الفنان التشكيلي السعودي ضياء عزيز

الفنان التشكيلي السعودي ضياء عزيز، من المدرسة الانطباعية الواقعية الحديثة، انتشرت أعماله في كافة أرجاء السعودية، ولعل أشهرها تصميم مجسم "الطريق إلى مكة"، والذي يصافح أنظار الملايين من زائري البيت العتيق.

عمل على إيصال عقيدته بأن الفن التشكيلي يعتمد على الموهبة والمهارة والعلم، وأنه عصارة فكر وإحساس ووجدان. لذلك، حرص على عرض أعماله في مختلف المعارض، واهتم بنشر آرائه الفنية عبر وسائل التواصل بانتظام.

تضمنت أعماله لوحات وصور ذات حمولة وطنية، عاطفية ومعاني مؤثرة، ولما كان العمل الفني الصحيح لابد أن يكون له جانب تاريخي واجتماعي وإنساني، فقد عكست رسومه ميله للحب، ووفائه للوطن، وتقديره للمرأة.

فجسد قيمة الفنان الذي يتميز أسلوبه الفني بلغة شاعرية ومجازية بالغة الجمال، لقد بحث عن الجمال وحقيقة الألم الكامنين وسط قبح الوجود.

[caption id="attachment_198115" align="aligncenter" width="550"]صبحة بغورة تكتب: رواد العرب في الفن التشكيلي (1 ـ 2) بريشة الفنان ضياء عزيز[/caption]

يعتبر الفنان التشكيلي السعودي ضياء عزيز، من أهم الأسماء التي سلكت طريق الإبداع منذ سن مبكرة، وهو أحد الفنانين الذين يحتفون بالوطن دائمًا في لوحاتهم.

وتألق في تجسيد معاني الوطنية والعشق الكبير الذي يحمله خادم الحرمين الشريفين حين تقبيله للعلم السعودي، وكذلك أبدع في لوحة "همة حتى القمة" التي تجلت فيها صورة المؤسس الملك عبدالعزيز.

إنه فنان بالفطرة، عشق ألوان الفنون في صغره ومال للفن التشكيلي مبكرًا، فكان بمثابة حبه الحقيقي ووجه الحقيقة، التي صارت مصدر إلهامه الفعلي.

حيث أبدع في رسم صورة المشاعر وتلوينها؛ لتستفز الملكات الخيالية والقدرات العقلية بالألوان والهندسة المتناسقة.

تمنح لوحاته الحياة والهوية بالتفاصيل الدقيقة والرموز ذات الدلالات العميقة، مع إكسابها سحر المشاهدة باللعب على الضوء المسلط على الأشياء.

وتدخل يد الرسام لتركيزها، فيزاوج نص اللوحة بين الحسي الواقعي وبين الذهني التخيلي؛ لخلق العمق التصويري عند تشكيله لوحة مشبعة بالدهشة.

ويحتفظ الفنان التشكيلي السّعودي ضياء عزيز، بأسمى المعاني وأرقى المشاعر النبيلة للمرأة، ويكن ثقة كبيرة بما حباها الله من قدرات نراها متجسدة في أقواله وأعماله واختياراته التي تجلت أخيرًا في اختيار عنوان "المرأة السعودية" للنسخة الخامسة من المسابقة التي تحمل اسمه "مسابقة ضياء عزيز ضياء للبورتريه".

الفنان السريالي رمسيس يونان (1966ــ 1913)

إنه بابا السريالية المصرية ومرجعها الأكبر في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، تربع على قمة الحياة الأدبية والفنية في فرنسا، وأصبح مبشر التيار المتمرد في مجتمع يقف حائرا بين الجناح المحافظ والمجدد.

حاول أن يؤثث الحياة الثقافية المصرية بشذرات جذرية، قاده شغفه الكبير بفن الرسم إلى الكتابة وصدر له كتاب "غاية الرسام العصري"، فكان التمهيد لتأسيس "جماعة الفن والحرية " عام 1938؛ حيث لعب فيها يونان دور المحرك حتى صدر بيان "يحيا الفن المنحط" عام 1938، ووقع عليه 37 رسامًا وشاعرًا مصريًا.

سافر إلى باريس وعمل بالقسم العربي في الإذاعة الفرنسية تسع سنوات قضاها في العاصمة الحاضنة للسريالية.

[caption id="attachment_198116" align="aligncenter" width="628"] صبحة بغورة تكتب: رواد العرب في الفن التشكيلي (1 ـ 2) لوحة رمسيس يونان “التكوين التجريدي”[/caption]

كشف كتابه "دراسات في الفن" نية تخليه عن فكرة التغيير من خلال الفن، ثم عاد إلى وطنه بعد إعلان رفضه وتنديده بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، لقد عاش رجل البداهة الوطنية الذي سحره الرسم زمنا مختلفا عن خياراته الثقافية والسياسية.

لوحة تكوين مجردة

بيعت آخر لوحاته بعنوان تكوين مجردة في مايو 2022 بلندن، بمبلغ 12 ألف جنيه استرليني.

عاد بسريالية غير مكتملة، احتضنته مصر ووهبته صفة موظف تليق بتاريخه، لكن تحولت حياته إلى عبث وجودي؛ إذ صار يرسم بطريقة تجريدية بعد اشتداد وطأة الواقعية الاشتراكية في الفن في الستينات من القرن الماضي، وهو أسلوب استوعبه تاريخ الفن المصري المعاصر.

الفنان الأكاديمي السوداني راشد دياب

ولد راشد دياب عام 1957 بمدينة ود مدني في السودان، سافر إلى مدريد بعد إنهاء دراسته في كلية الفنون الجميلة بالخرطوم.

حصل على شهادتي ماجستير 1978 في التلوين وفي الحفر الطباعي من جامعة كمبلوتنسي الإسبانية، ثم نال الدكتوراه عام 1991 وكان موضوعها فلسفة الفنون التشكيلية السودانية.

افتتح جاليري خاص به في الجامعة التي تخرج منها، رغبة منه في توثيق الإنجاز الفني السوداني، ثم أقام مركزًا للفنون يحمل اسمه.

عاد واستقر في السودان بعد غيبة دامت 20 سنة، وعمل من خلال مركزه على تنمية الذوق الفني لدى العامة من الناس، ومواصلة تطوير جهود التنوير الجمالي والمعرفي، مع محاولة خدمة الفن السوداني ونشره على أوسع نطاق.

نهل الفنان راشد دياب من التراث الشعبي السوداني، وجسده في أشكال فنية عصرية لاقت قبولًا عربيًا وعالميًا.

تتدفق لوحات الفنان راشد دياب ألوانا، فيحول الكائنات التي يرسمها إلى رموز مشحونة بطاقة كبيرة.

وتوحي نظرته إلى موضوع لوحته بالكثير من الاسترخاء والترف، فينطلق نحو الجوهر بأدوات تجمع بين البساطة والعمق، سودانيات بأزيائهن التقليدية الشعبية التي تضفي على عالمهن الواقعي بهجة وتملأ رسومه أنوثة.

[caption id="attachment_198119" align="alignnone" width="1920"] صبحة بغورة تكتب: رواد العرب في الفن التشكيلي (1 ـ 2) لوحة للفنان راشد دياب[/caption]

متعته في الرسم هي الهدف، ورسوماته تشبهه وهي مثله قادرة على مزج المحلية بالعالمية ولا تهتم كثيرا بالتفاصيل، ولكنها تتشبث بالإيحاء غير المباشر وهو مصدر القوة الذي يزود تجربته البصرية.

ولذلك، مثلت النساء والصحراء عوالمه الفنية التي لا ترى إلا من خلال لوحاته التي تمثل جزء من عالمه الخفي، فهو إذ يوهمنا بأنه يصف ما رأته عيناه إلا أنه في الحقيقة كان يسير وراء عاطفته، فبعث بها الحياة في فراغ الصحراء وأعاد النظر في هندستها لتلهمه أفكارًا عن ما لا يرى.

ولكن حيث تلتحم زرقة السماء مع ألوان الأزياء وخضرة الأرض في تكامل ساحر وعجيب، تكتمل للوحة معانيها عندما نلحظ ما احتوته من قيمة اجتماعية وثقافية، تعظم المظاهر الجماعية وتعلى شأن المرأة بالبادية والبيئة الصحراوية.

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: مبدعات سعوديات عِشن للفن