صبحة بغورة تكتب: دوافع السرقة عند الأطفال

السرقة عند الأطفال لها دوافع كثيرة، وتختلف من طفل لآخر حسب بيئة تنشئته والمستوى الاجتماعي والظروف الاقتصادية، ومن الطبيعي أن يمد الطفل دون سن الثالثة من عمره ويأخذ ما يشد انتباهه، ولا ينبغي أن يؤخذ هذا التصرف على أنه سرقة.

ويلجأ بعض الأطفال الكبار إلى أخذ ما ليس لهم، وهم يعلمون أنه مملوك للغير ويدركون أن ما يفعلونه أمر خطأ، ولمثل هذا التصرف دوافع عديدة تعود لأسباب كثيرة، منها أنه قد يسرق الصغير بسبب الإحساس بالحرمان، كأن يسرق نوع من الطعام اشتهاه لأنه جائع، وقد يسرق لعب لطفل آخر لأنه محروم منها، وقد يسرق النقود لشراء أشياء يرغب فيها بقوة.

ويمكن أن يقوم بفعل السرقة، تقليدًا لزملائه في المدرسة دون أن يدري عاقبة فعله، أو لأنه نشأ في بيئة غير سوية، إجرامية، عودته على السرقة من أجل العيش ودفعته للاعتداء على ملكية الغير لدواعٍ سلبية، بناءً على قيم مضللة، مثل اعتبار السرقة نوع من الجرأة والشجاعة والقوة والانتصار يحقق بها السارق تقديره لذاته، وهو تصرف ينطوي على سلوك إجرامي يمكن أن يلازمه في الكبر.

أيضًا، يسرق الطفل لكي يتساوى مع أخيه الأكبر إذا أحس أن نصيبه من والديه أو من الحياة أقل منه، وقد يسرق النقود ليؤكد شجاعته وبذخه على أصدقائه ويكون أكثر قبولا لديهم، أو ليقدم هدية لأحدهم أو لطفلة جارته. في البيئة الاجتماعية المتواضعة المستوى، يمكن أن يبدأ الطفل السرقة مبكرًا بدافع الخوف من عدم القدرة على الاستقلال بنفسه، فهو لا يأمن لأحد ويريد الاعتماد على نفسه أكثر لأنه لا ينتظر أي شيء من أحد؛ فيلجأ إلى أخذ ما يريد عن طريق السرقة لتأمين رغباته دون الاعتماد على أحد.

كذلك، قد يسرق الطفل بسبب معاناته من مرض نفسي أو إصابته بضعف عقلي، أدى إلى انخفاض ذكائه، فسهل وقوعه تحت سيطرة أولاد أكبر منه سنا استغلوا حالته ووجهوه ودفعوه للسرقة لصالحهم .

ومن الأطفال من يسرق داخل منزله، بدافع الحاجة إلى مزيد من الاهتمام وشوقه إلى الرعاية، وفي هذه الحالة قد يعبر الطفل عن غضبه ويحاول أن يتساوى مع والديه أو أن يمثل ما سرقه بديلًا عن الحب والعاطفة التي يحتاجها منهما. الدوافع إذن عديدة، وحلولها بسيطة؛ إذ ينبغي على الوالدين أن يبذلوا جهدهم لإعطاء طفلهما مزيدًا من الاهتمام بشؤونه والكثير من الرعاية النفسية والعاطفية، وإشعاره دائما بأنه عضو محبوب ومهم من الأسرة.

ومن المهم أن يخبر الوالدان طفلهما بأن السرقة حرام لأنها سلوك خاطئ، ومساعدته إن وقعت السرقة على رد ما سرقه ولو بشكل خفي دون المبالغة في إحراجه، والتأكيد عليه بأنه لن يستفيد أي شيء من السرقة، لأن ما يليق بالآخرين ليس بالضرورة سيكون مناسبا له.

وينبغي تجنب إعطائه دروسًا تصور له المستقبل الأسود الذي ينتظره، ونعته باللص وبأنه شخص سيء، وبدلًا من ذلك يجب توضيح أن السرقة سلوك غير مقبول تمامًا داخل تقاليد الأسرة وأعراف المجتمع وقوانين الدولة وأحكام الدين تعاقب السارق بكل شدة.

وينصح إن اعترف الطفل بذنبه وندم عليه وقام بإرجاع المسروقات، أن لا يثير الوالدان معه الموضوع مرة أخرى ولا يحدثان أحدًا من المقربين عنه، فهذا يشجع الطفل على عدم العودة للسرقة ويساعده على بدء صفحة جديدة، أما إذا استمر الطفل على السرقة وصاحبتها مشاكل في السلوك أو أعراض انحراف، فإن السرقة تكون علامة على وجود مشاكل أكبر خطورة في النمو العاطفي للطفل، أو علامة على وجود مشاكل أسرية عويصة.

ثبت أن الأطفال الذين اعتادوا السرقة، يعانون من صعوبة في الثقة بالآخرين، وعاجزين عن إقامة علاقات صداقة وثيقة مع أقرانهم في المدرسة والحي، وتراهم غير نادمين على سلوكهم المنحرف، ويلقون باللوم على الآخرين، ويجادلون بالقول الفاحش إن لم يحصلوا من الغير ما كانوا يريدونه ويحتاجونه، وهذه الحالات تستوجب العرض على الطبيب النفسي، لعمل تقييم عام لفهم الأسباب التي تؤدي لهذا السلوك المنحرف وعمل خطة علاجية كاملة له.

ومن أهم ما يمكن أن يسهم في العلاج تعليم الطفل، كيفية بناء علاقة صداقة مع الآخرين، وعلى الأسرة مساعدته ودعمه معنويًا في عملية التغيير للوصول إلى السلوك السوي في مراحل نموه اللاحقة.

أيضًا، لعلاج السرقة عند الأطفال، يجب أولًا ضمان الضروريات اللازمة لتلبية حاجة الطفل من مأكل صحي وملبس مناسب، ومساعدته على الشعور بالاندماج في جماعات سوية بعيدة عن الانحراف السلوكي في المدرسة والحي والمجتمع، وأن يوفر الوالدان جوًا عائليًا دافئا بالعواطف الجميلة، وأن تظهر الأسرة احترامها لملكيته وإعطائه في كل مناسبة المثل والقدوة الحسنة، وتعويده على احترام ملكية أخوته مع مداومة التوجيه والإشراف.

وينبغي عدم الإلحاح على الطفل للاعتراف بأنه سرق، لأن ذلك يحرجه فيدفعه تلقائيًا إلى الكذب، فيتمادى أكثر في سلوك السرقة والكذب، مع ضرورة تبصيره بقواعد الأخلاق العامة والتقاليد الاجتماعية ، وتعميم ذلك على تعويده عدم الغش في الامتحانات والعمل بجد في التحصيل المدرسي .

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: نور القلوب يحيي الشجاعة و الأمل