صبحة بغورة تكتب: حتى لا يكون الأطفال ضحايا والديهم!

تنص المادة 32 من اتفاقية حقوق الطفل: "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح ان يكون خطيرا أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي".

وقد أعطت هذه الاتفاقية سياسة واضحة لرعاية الطفل وحقوقه، عندما يتم تنفيذها سنكتشف أطفال العالم الذين يتعرض عدد لا يحصى منهم في مختلف أنحاء العالم يوميًا إلى مخاطر تعوق نموهم وتطور قدراتهم وتنمية مواهبهم، وأسبابها أيضا كثيرة ولا تحصى، ومنها ما يلي:

أولًا: الطفل والأخبــار السيئـة

ليس من الحكمة عند مجالسة الطفل والحديث معه إخباره بكل تفاصيل ما يجري في المنزل أو ما يحدث مع الأهل والعائلة، فثمة مواضيع لا ينبغي أن تناقش مع الطفل لأن بعض الأخبار غير المناسبة لعمره يمكن أن تترك وقعا غير حميد في نفسه أو تحدث أثرًا سيئا في عقله قد تمتد عواقبه معه في عقله الذي لا يزال قيد النمو حتى مراحل سنية متقدمة من حياته.

لذا، من المهم على الوالدين وبخاصة الأم الانتباه إلى طبيعة المواضيع التي يتطلع طفلها عليها وكذا مراعاة الوقت المناسب للقيام بهذه الخطوة.

ومن أكثر المواضيع سوء على نفسية الطفل، خبر وفاة أحد من الأهل أو الأقارب ، فلا يجب نقلها للطفل الصغير في السن أو الذي يكون منقطعا لمراجعة دروسه استعدادًا لإجراء الامتحانات؛ فمثل هذه الأخبار تشتت ذهنه وتفكيره عن الأحداث المهمة في حياته، كما أنها تصيبه بالحزن العميق وببالغ الأسى.

فمن الواجب، انتظار الوقت المناسب مع الحرص الشديد على الهدوء واختيار الكلمات ذات الشحنة الإيمانية القوية وبألطف العبارات؛ لتخفيف هول صدمة الخبر عليه، وكلما كان الراحل أقرب إلى الطفل، كلما كان الحرص أشد وأوجب لتخفيف من هول صدمة الخبر عليه.

أما بالنسبة للأخبار التي تحمل جرائم السرقة والقتل سواء في أماكن قريبة من المنزل أو بعيدة، فالأفضل تجنب مناقشتها مع الطفل الصغير قدر المستطاع لأن ذهنه لا يزال هشًا وهذا مخافة أن يثير الخبر خوفه واضطرابه.

ويمكن أن يستوعب طفلك نصائحك المشددة له، بدون تهويل، بتوخي الحذر من الغرباء بعد خروجه من المنزل أو أثناء عودته من المدرسة.

ويحدث كثيرًا في حياة كل أسرة أن تمر بفترة عسر مالي أو بضائقة مالية ظرفية، والأفضل عدم مفاتحة الطفل في هذه الأمور حتى ولو ألح على شراء شئ يمكن أن يكون غالى الثمن فهذه المسألة تنمي فيه مشاعر التشاؤم، وبدلًا من رفض طلب بشكل جاف يمكن تعليمه بالنقود المحسوسة بين يديه معنى المال وكيفية تصريفه وأجزاء العملة ومفهوم وطريقة الادخار، وملامسة الطفل للنقود وبقائها بين يديه مدة معينة مهمة للغاية، لأنها باعث قوي على اطمئنانه على أنه سينال طلبه قريبًا.

ثانيا: تصيد أخطــــاء الطفل

تكثر التحذيرات التربوية والنفسية من عواقب طبيعة التربية الصارمة بمعنى المتصيدة لأخطاء الطفل أي التي غالبًا ما تعتمد على التركيز على الجوانب السلبية في سلوكه ونقاط الضعف في شخصيته لأنها تضعف كثيرًا ثقته بنفسه.

والثقة بالنفس، تعتبر من المقومات الأساسية في تشكيل شخصية الطفل وهي تنعكس على مختلف حياته الاجتماعية وترتبط كثير بنظرته إلى ذاته وإحساسه بقيمته بين أترابه وبين من حوله في الحي والمدرسة،كما أنها تؤهله لأن يكون إنسانا كاملًا في المجتمع يتمتع بالشجاعة الأدبية، وفي حالة ما إذا فقد ثقته بنفسه، فإن نظرته ستتغير إلى ذاته بشكل سلبي جدًا؛ حيث سيضطرب سلوكه ويصير غير متكيف مع بيئته وغير متأقلم مع محيطه العائلي الاجتماعي.

إن كيفية التعامل مع الطفل سواء في الأسرة أو المدرسة تساهم كثيرًا إما في تنمية ثقته بنفسه أو اقتلاعها من جذورها، والتربية الصارمة المتصيدة للأخطاء تضعف شخصية الطفل، أما طريقة الحوار الهادئ ومحاولة تفهم احتياجاته وإتاحة المجال له للتعبير عن ذاته وأفكاره وميوله واحترام رأيه وتقدير وجهة نظره فكلها ستعمل على تنمية الثقة بذاته.

اقرأ أيضًا: الشيخوخة وصحة القدمين.. 6 أمراض تؤثر في حركة كبار السن

ثالثًا: الاستهزاء بالطفل والسخرية منه

قد يصدر عن الوالدين أو من أحدهما ألفاظ نابية دون قصد منهما، كما يصدر عن معظم الأولياء ألفاظا غير لائقة نحو الطفل تحمل معاني الاستهزاء به والسخرية منه، ونعته بأوصاف سلبية من خلال عبارات تضعه في حالة الفشل الدائم والمقارنة مع أقرانه بشكل يسيء إليه بتهويل أخطائه والنظر إليها بعين مكبرة، وأنه بناء على ذلك يبررون عدم إعطائه الفرصة في تحمل المسؤوليات وحرمانه من مجرد محاولة المشاركة في أي عمل بدعوى فشله المؤكد بمعنى عدم الثقة بقدراته.

هذا الوضع يمثل تدنيًا خطيرًا في مستوى الثقة بالذات، يشعر الطفل بأن ليس لأعماله أي قيمة، وأنه شخص سلبي ، غير مؤهل للقيام بالكثير من الأعمال التي يمكن أن ينجح فيها سواه من الأطفال، ومثل هذا النموذج نراه مستسلما، متنازلا بسهولة عن آرائه، يميل لاحقا إلى العناد، تعبيرًا عن رفضه لاستمرار الوضع، وإلى العنف والعدوانية نتيجة عجزه عن تحقيق حاجات كثيرة لم يستطع إشباعها، كما أنه يلجأ كثيرًا إلى الانعزال عن الآخرين لتجنب المواقف المحرجة والسخرية، وبذلك يفقد الكثير من الفرص الاجتماعية.

رابعًا: التصاق الطفل بأمه

تعلق الرضيع بأمه واستمراره حتى بلوغه العامين أمر طبيعي، لأن الأمومة تناديه بالفطرة، وقد يستمر هذا التعلق طويلًا حتى السنوات الأولى حتى نظن أن ثمة ما قد يشير إلى وجود مصدر للخوف أو القلق يدفعه للبكاء إذا تركته أمه فتضطر إلى حمله وأخذه معها لإسكات صراخه، قد تظن الأم حينها أنها بالغت في تدليله أو أساءت تربيته وأفرطت في دلعه حتى بات كثير التعلق بها.

وفي الواقع، منحت الام لطفلها الشعور بالأمان بعدما مر بشعور قلق الانفصال الذي يعتبر في مثل عمره دليل صحة وعافية، إلا أنه سيبقى عاجزًا عن إدراك مسألة الابتعاد، فهو لم يملك بعد القدرات الذهنية التي تمكنه من استيعاب مسألة وجود الأم على الرغم من عدم رؤيته لها، لكن قد تسوء الأمور عندما يبدأ في السير ستلازمه حالة القلق والبكاء، لأنها شبكة الأمان التي تحول دون ابتعاد أمه عنه، والحل تعليمه الانفصال عن أمه بالهائه في الألعاب اليدوية المبهرة وإعطائه الشعور بالأمان بمشاركته أحيانًا اللعب المرح وتعزيز ثقته في أمه عن طريق تعويد أن غيابها عنه سيتبعه عودتها وفي يدها طعامه المفضل حتى يتخلص من قلق الانفصال.

خامسًا: الإفراط في تدليل الطفل

ظاهرة أصبحت مقترنة بالآباء الجدد تجاه أطفالهم، وهي الإفراط في الحماية والدلال وتنفيذ كل طلبات الطفل، فالاستسلام لضغوطه وعدم تمييزهما لاحتياجاته الضرورية ورغباته يفسده ويغرس فيه حب الذات، متجاهلين العواقب الوخيمة لهذا السلوك الذي قد يجعل من الطفل رجلا غير مسؤول مستقبلا.

وكثير من الأسر، ندمت على عدم اهتمامها بتعليم طفلها الاعتماد على النفس؛ حيث نشأ وهو لا يشعر بالمسؤولية في شيء ولا يملك أدنى استعداد للقيام بأي عمل مهما كان بسيطا لأن التدليل يسلب من الطفل الإحساس بالمسؤولية، وما يزيد الأمر سوء أنه عندما يراد تقويمه وإجباره على عمل شيء يكون رد فعله رفضًا عنيفًا يصل إلى حد تكسيره ما يصادفه أمامه، التفسيرات تذهب إلى اعتبار الظاهرة أنانية مفرطة؛ حيث يرفض أن يكون خاسرًا، أو ظاهرة مرضية تعود لأسباب بيئية أو عوامل بيولوجية تحتاج إلى عناية خاصة.

الطفل صفحة بيضاء ،يمكن ملأها في صغره بكل سهولة وعلى حسب المحتوى تتحدد شخصيته، ولعل الألعاب هي خير وسيلة لتنمية قدراته واكتشاف مواهبه، فقد يمكن أن تحقق غرضين معا.

الغرض الأول، تجنب هفوات الأهل في حق الطفل كما أسلفنا بمشاركته اللعب، ومن جهة أخرى، تعزيز جهود تثبيت مشاعره بتقبله الانفصال عن أمه بالانجذاب نحو العالم السحري والجميل والجذاب، وانشغاله بما ينمي قدراته العقلية ومختلف الجوانب النفسية والاجتماعية والجسدية والحسية، والتي يكتسب منها المهارات الفكرية والمهارات العاطفية.

ومن الألعاب ما ينمي المهارات المالية، أن يؤدي الطفل فيها دور رجل الأعمال والتاجر والبائع والمشتري فيتوج بمهارات أخلاقية كالصبر والمثابرة والإتقان والإلحاح والتشجيع والثبات والقبول والرفض والإقناع.. مع التنبيه إلى عدم الاستغراق في ألعاب كهذه لأن الاعتدال مطلوب في كل المواقف.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: التربيـة المتسلطة.. مصدر اغتراب الأبناء!