صبحة بغورة تكتب: تأثير الحروب على نفسية الأطفال

لم تهنأ البشرية بعد بالأمن المأمول والسلم المنشود ونحن نعيش العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، بل بقت الأمم تلهث عشرات السنين في المحافل الدولية في البحث عن سبل تحقيق آمالها في الاستقرار المفقود الذي خلف أجيال ولدت في ظروف مآسي الحرب وعانت ويلاتها، ثم غادرت الحياة دون أن تتذوق حلاوة الأمن، وزالت من الوجود دون أن تدرك معنى السلام، ولم تنعم بتدفق الأمل في شرايين حياتها وحياة الأجيال القادمة.

خلفت العمليات العسكرية الروسية التي تعرضت لها أوكرانيا مآسي إنسانية اجتماعية واقتصادية خطيرة، وتسببت في كوارث مروعة، ملايين الأسر مشردة ومهجرة من هول القتل والخراب والتدمير هاربة نحو المجهول.

ولا يختلف الأمر كثيرا عن ما يجري في عدة بلدان عربية وإفريقية من نزاعات مسلحة لا تريد أن تتوقف وصراعات دامية لا تهدأ، واعتداءات عنصرية مستمرة على الشعب الفلسطيني، وغيرها من الأهوال جارية في بقاع أخرى من العالم يخشى أن يمتد لهيبها وتتسع دائرتها لتشمل مناطق أخرى.

يتبادر إلى الذهن انشغال فكري ووجداني عميق عن تأثير مشاهد الرعب على الأطفال، وانعكاس رؤيتهم جثث الضحايا المتناثرة والأشلاء المبعثرة في الطرقات جراء الانفجارات التي أصبحت تطال المدنيين وتصيب الأحياء المدنية أكثر من المواقع العسكرية.

لا شك أن الأطفال سيتأثرون بها، والشعور السائد سيكون الذعر والخوف والقلق على مصيرهم ومصير الآخرين، والمتوقع والحال هكذا أن يتوجهون بأسئلتهم الحائرة ومعها أسئلة أطفال العالم من بلاد أخرى بعيدة عن الأحداث يشاهدون نشرات الأخبار حول الحرب بشكل عام.

ويمكن أن يبلغ الأمر حد التعبير عن خوفهم من حدوث دمار مماثل لما يرونه على الشاشات، هنا يجب طمأنة الأطفال بأنهم في أمان تام وأن المعارك في منطقة جغرافية بعيدة وأنه ليس هناك ما يدعو للخوف.

يفضل أن يكون الحديث في ظروف هادئة، وفي وقت تناول الطعام وبأسلوب مناسب لعمر الأطفال وبكلمات بسيطة المعنى يستطيع الطفل فهمها، ومن الضروري أن يمثل الآباء قدوة لأبنائهم في عدم نقل الإحساس بالقلق أو إعطاء انطباع يوحي بأنهم غير مطمئنين، لأن الأطفال يحتاجون إلى التيقن من أن الكبار حولهم يعرفون جيدا ما يجب فعله للحفاظ على سلامتهم.

وعلى الآباء من جهة أخرى، أن يراقبوا المدة التي يشاهد فيها الأطفال الصغار مشاهد الحرب والبرامج المتعلقة بها في وسائل الإعلام ويقومون بالحد منها كلما أمكنهم، لأن المشاهدة المستمرة للصور وحتى قراءة العناوين المزعجة يمكن أن ترسخ لدى صغار السن شعورًا قويًا بعدم الأمان، والاعتقاد بأن الخطر الداهم قريب منهم وأنهم ليسوا بمنأى عنه، لأنهم لا يميزون بين الصور المعروضة على الشاشات والواقع،

كذلك، على الآباء أن يعرفوا مصادر المعلومات التي يتحصل عليها أبنائهم المراهقين خاصة الذين يجيدون استخدام الانترنت ويتمكنون من التنقل بين المواقع والقنوات بسهولة، وتتيح سرعة تدخل الآباء فرصة تصحيح الاعتقادات وتصويب المعلومات، وإزالة ما شاب النفوس من وساوس أو هواجس خاصة بشأن المزاعم باستعمال الأسلحة الكيماوية كالغازات السامة والأسلحة النووية، ومحاولة توضيح أن هذا الأمر غير حقيقي حتى في البلاد التي تجري فيها المعارك الحربية، وتوضيح أن ما تتناقله بعض وسائل الإعلام من معلومات ليس بالضرورة صحيحة.

يكمن الاستغلال المفيد للأحداث في محاولة الآباء الاستثمار في حالة التعاطف التلقائية مع ضحايا الحروب في تنمية التضامن الإنساني معهم حتى ولو كانوا أشخاصا غير معروفين، وتقدير موقف العائلات التي اضطرت إلى ترك منازلها، وتشجيع مبادرات جمع المساعدات للتخفيف من معاناتهم.

ويمكن تنمية العقل النقدي ومهارات التفكير الموضوعي بالتوضيح، أن الضحايا يمكن أن يكونوا من الجانبين ومن مختلف الديانات والأجناس، لذلك، فاستعمال السلاح لفض النزاعات مرفوض.

تنعكس حالة القلق عند الأطفال الصغار في التبول اللاإرادي، فمعظم أسباب التبول اللاإرادي نفسية وليست عضوية، لذلك، يمكن عدم الحديث مطولا عن الحرب والتعرض دائما لتفاصيل مستجداتها وعوض ذلك طمأنة الطفل والإجابة عن أسئلته بشكل عام، وأن يراعي الأولياء أن لا يطرأ على حياتهم اليومية العادية أي تغيير في مواعيد تناولهم الطعام والذهاب إلى المدرسة ووقت النوم، حتى يشعر الأطفال بأن الأمور تسير كالمعتاد.

ومن الأهمية أن يظهر الآباء قدرًا من التفهم لمشاعر الذعر لدى الأطفال وعدم الاستخفاف بها أو نهي الطفل عن الحديث في أمور بدعوى أنها خاصة بالكبار حتى يتخلص الطفل من مشاعر الخوف، لأنه في الغالب تكون أسئلة الطفل بغرض الاطمئنان أكثر من أنها محاولة لفهم حقيقة الأمر، لذلك، يجب ألا يضيق الآباء من هذه الأسئلة وأن يشجعوا أبناءهم على فعل شيء إيجابي نافع ومفيد لهم، مثل إرسال رسائل الكترونية تدين الحرب وتطالب بوقفها، وفي هذا يتعزز لديه الشعور بأهميتهم في الشأن العام، كما سيخلصهم من ضيق الصدر عندما يلمسون بأن لرسالتهم كانت صرخة روح محبة للأمن والسلام.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: القيم الإنسانية في فرحة عيد الفطر