صبحة بغورة تكتب: المسؤولية وشجاعة اتخاذ القرار

يتطلب تحمل المسؤولية بصفة عامة في مفهومها الواسع، القدرة على النهوض بالواجبات والاستعداد النفسي للوفاء بالالتزامات، وكلاهما يستند إلى أرضية أخلاقية وخلفية تربوية وإلى أساس ديني متين يضع المرء دائما إمام وازع يلجم جنوح هواه ويتحكم في جموح رغباته.

ومن جهة أخرى، يحقق في نفسه الهدوء العصبي والصبر النفسي والاتزان العقلي، فيترسخ في وعيه العميق أن المسؤولية في حد ذاتها لا تعتبر هما كبيرًا وعبئا ثقيلًا لا يطاق أو مشكلة عظيمة لا حل لها، وذلك عندما يدرك كل فرد أن واجب تحمل المسؤولية كاملة لا يقع إلا عما فعله الشخص أو كان بصدد أن يفعله؛ إذ من المفروض حينها أنه سيكون مستعدا لتقبل نتائج ما فعل سلبًا أو إيجابًا.

التدرب على تحمل المسؤولية، يحقق للمرء مكاسب شخصية عديدة خاصة إذا كانت تنشئته قد أولت لهذا البعد منذ الصغر اهتمامًا خاصًا سواء طوعيا كسلوك تربوي حميد وأصيل، أو اضطراريا في سن مبكرة لتجاوز أوضاع حياتية عسيرة ولمواجهة ظروف معيشية صعبة،.

ومن هذه المكاسب، التعود على عدم الخشية من المرور بأوقات صعبة، وعدم التردد في أخذ المبادرة لحل المشاكل مهما كان حجمها، فلا تثنيه تعدد أبعادها عن التعامل مع تفاصيلها وتلك مهارة أخرى، وهي أن يتقن الفرد تفكيك المعضلة لتتضح له علاقات أجزائها وطريقة حله.

إن أي فرد يتمتع بهذه المهارة، هو شخصية مرغوبة اجتماعيا وفي مجالات العمل المختلفة بل وقد تكون سببًا مباشرا لتطوير قدراته العملية سواء الإدارية أو الفنية والارتفاع بوضعه المهني، والارتقاء بمكانته الوظيفية عمومًا، ذلك لأن عدم التردد في تحمل المسؤولية هو دليل حي على مقدار ما يتسم به المرء من شجاعة كافية لتحمل المخاطر، من خلال اتخاذ القرارات الحاسمة، ومثله جدير بكسب احترام الآخرين له وتقدير وثقة رؤسائه في العمل.

ومنطق الأمور هنا يفرض نفسه، فمن يثبت كفاءته لتحمل المسؤولية ويؤكد على استعداده لتقبل نتائجها وقدرته على التعامل معها؛ سيكون جديرًا بحمل مسؤولية أكبر.

ومن جهة أخرى، يفوز صاحب هذا السلوك بتعاون مرؤوسيه معه في تنفيذ ما يطلبه منهم بكل دقة، فيكون نجاحه الوظيفي سبيلا لتحقيق نجاحات أخرى متوالية تؤهله للترقي السريع، لأنه يكون قد اكتسب عوامل النجاح في القيادة الإدارية والريادة الوظيفية.

ويأتي على رأس هذه العوامل، القدرة على الحسم الفوري في إبداء الاستعداد التام ودون تردد لتحمل المسؤولية بعد الوعي الموضوعي بأبعاد ما يطلب منه من أعمال، بمعنى أنه سيكون قادرًا على حل ما سيعترضه من مشاكل بعد الاطلاع على طبيعتها والتقييم الصحيح لحقيقتها، وبعد التقدير السليم لمختلف المواقف في كل ظرف.

تفترض الشجاعة في تحمل المسؤولية، أن تتوفر الشجاعة الأدبية أولًا التي لا يخجل المرء معها من الاعتراف بأخطائه، وألا تدفعه محاولة التملص منها باختلاق الأعذار الواهية والتعلل بالمبررات غير الموضوعية، أو أن يحاول البحث عمن يلصق به الإهمال أو التقصير ليتحمل مسؤولية الإخفاق.

الشجاعة الأدبية، تعني في حقيقتها أن يكون الشخص إيجابيًا في مواجهة المواقف لا أن يتعامل معها بالروح السلبية التي تدفعه مبكرًا للانسحاب والانعزال وتجعله يعتقد أنها النهاية.

تفترض الشجاعة الإيجابية المحمودة في مواجهة المواقف الصعبة، أن يبتعد الشخص عن عادة التذمر وأن يتجنب تفريغ شحنة غضبه في غير وجهتها وفيما لا يقدم ولا يؤخر، بل أن يسارع إلى تصحيح أوضاعه، وأن يكون لبقا في حديثه إلى أقصى حد، ولا يتعامل بتعالي وتكبر مع من يحاول أن يصحح له أوضاعًا خاطئة، والأهم أن يكون صادقا مع نفسه أولا، بأن يعترف بخطئه وأن يسرد بكل وضوح جوانب تقصيره، وأن لا يخجل في أن يكاشف الآخرين بصراحة أثناء محاولة تصحيحهم للأخطاء عن مكامن العيوب في عمله سواء عن جهل أو عن سهو.

يتسع مجال الحديث عن المسؤولية، ليشمل أيضًا تقبل الفرد تحمل مسؤولية ما يفعله مرؤوسيه في القسم أو الإدارة، فرئيس العمل مسؤول عنهم وعن أفعالهم فإذا ما نجحوا فالسعادة تغمر الجميع وإذا ما فشلوا فعليه أن يتقبل ما يوجه له من نقد حتى لو بلغ حد الانتقاد الجارح، وطبيعي أن يوجه اللوم إلى من لم يقم بعمله على أتم وجه، وعليه أن يتقبل تحمل مسؤولية تقصيره، فالمسؤولية عن الفشل الناتج عما لم يقم به يعتبر معادلا لمسؤوليته عند النجاح فيما يقوم به أو قام به فعلا.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الحرمان والامتنان في تقدير القيمة