يحتل فارس الأحلام عند كل فتاة موقع الريادة في مخيلتها منذ بلوغها عالم المراهقة، وتتفنن الكثيرات منهن في رسم معالم هذا الفارس المجهول، فتضع له معايير الكمال التام ومقاييس الجمال الباهر.
وقد تبلغ هذه الحالة حد الهوس لدى بعض المراهقات باستحضاره في أحلامهن وكذلك في يقظتهن بمواصفات معينة تميل كثيرًا إلى المثالية، ولكن ما تلبث بعد ذلك أن تخف درجة الهوس بهذا الوهم الجميل والمأمول أمام زحف وتطور الطموحات الدراسية والانشغال بقضايا الحياة العملية وهموم ومشاكل الحياة اليومية بكل ما تحمله من تناقضات وتعقيدات.
اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: صراع الأجيال.. أزمة قيم أم سوء فهم؟
قد تصادف الفتاة الكثيرين في مسار حياتها، منهم من تراه غير جدير بذلك القلب، ومنهم من تتوفر فيه شروطها أو معظمها ولكنه عنها عازف أو مشغول، أو ارتبط قلبه بغيرها، وسرعان ما تمضي سنون العمر آخذة معها نضارة الشباب وحيويته فتنهار الموانع وتتراجع المقاييس وتزول الشروط فينتهي بها الأمر أخيرًا إلى زواج «اضطراري» لمجرد تفادي كلمة عانس أو البقاء فعلا عانسًا تعاني وحدها آلام الوحدة والحرمان العاطفي ولن يشفع لها أنها حققت نجاحا مهنيًا باهرًا، أو احتلت وضعًا اجتماعيًا مرموقًا، أو تمتعت بمركز مالي معتبر.
إن تفاقم ظاهرة العنوسة في مجتمعاتنا العربية ينظر إليها من زوايا متعددة، فهناك من يربط بين هذه الظاهرة وبين التقدم الثقافي والاجتماعي ويؤكد أنه ما زال الرجل لا ينظر بعين بريئة لعمل المرأة ونجاحها المهني؛ لذا فليس غريبًا أن نجد عزباء عاملة لديها سكن خاص وسيارة صغيرة وتتمتع بوضع اجتماعي محترم ومع ذلك لم يتقدم للزواج منها من هو في مثل وضعها أو حتى أقل.
حقيقة المجتمع يستهجن أن تقوم المرأة بمبادرة التعبير عن مشاعرها ولو بكل شرف وكبرياء لمن تراه مناسبًا لها، والأمر هنا سیان سواء أكانت عاملة أو ماكثة بالبيت.
لا شك أن في حياة كل فتاة فرص للاقتران، فما من فتاة لم يطرق الخاطبون بابها، ولكن مسألة «العريس غير مناسب»، وإن كانت في بعض الأحوال مبررة، فإنها ليست كذلك في حالات أخرى كانت فيها المقاييس والشروط «عالية»، وحتى «العريس المناسب» الذي مر مرور الكرام في حياة المرأة العانس، كانت العادات والتقاليد هي التي منعتها من البوح بالمشاعر وعرض فكرة الزواج على "الرجل المناسب" بالرغم مما يحفل به تاريخنا الإسلامي من نماذج كثيرة خالفت هذه العادات، كظروف زواج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها؛ فهي التي طلبته للزواج وكانت تكبره سنا وتفوقه غنی.
هناك نماذج ذهبت الى أبعد الحدود عندما مارست فعلا حقها الطبيعي في الحياة، لقد أعلنت إحدى الجريئات صراحة عن حبها لمن اختاره قلبها وعقلها والذي أصبح فيما بعد شريك حياتها، هي تقول إن حاجة المرأة للحب كحاجتها للطعام والشراب بل هي أشد، وهو يقول ــبروح رياضية ــ إنه لا نقيصة للمرأة أن تبوح بمشاعرها إلى من أحبته، لقد كسر كلاهما أسر العادات وفازا بحياة زوجية سعيدة وهانئة.
كما أن العادات ذاتها والتقاليد تبدو مجحفة في استهجان الأمر ذاته على المرأة مع أن ذلك قد يكون مخرجًا مناسبًا في حالات كثيرة ومفتاح سحري للعديد من المأزق، فكثير من الرجال يخشون التقدم لخطبة من تفوقهم علمًا وعملا أو مالا أو حسبًا ونسبًا، مع أن كثيرات من النساء اللائي لا يمانعن تماما الزواج من هم أقل منها شأنا ولكنه الخوف من القيل والقال هو الذي وقف حائلا دون تحقيق أحلامهن مع شريك العمر، وهو أيضا الحرج والتردد الذي منع الشباب من مجرد التفكير في من تعلوه شأنا، فما بالك بالاقتراب منها؟!
ومن هنا أفضفض وأقول، إن الجرأة ليست نقيضًا للحياء، والحياء لا ينبغي أن يكون عامل قيد طالما الهدف المنشود شرعي لا يمتد إلى ما يغضب المولى عز وجل وأن التعبير بكل عزة عن المشاعر في إطار جدي ومحترم مرهون بقدرة المجتمع على الاتصال والتواصل وإتقان فن لغة الحوار بين الوالد وولده، والأم وابنتها، والزوج وزوجته، وبين الأحبة أيضًا وإلا فنحن مجتمع «أخرس».
صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية