صبحة بغورة تكتب: العلاج النفسي لمشاكل النساء

تعود خلفية تناول موضوع العلاج النفسي لمشاكل النساء إلى أهميته البالغة وحساسيته الشديدة، ومن جوهر دواعيه تتكشف حقيقة أسبابه لأنه يتعلق بالمرأة كإبنة تقف إلى جانب أمها تساعدها يدا بيد في شؤون المنزل ورعاية أخوتها الصغار، وكأخت وفية، وزوجة محبة ومخلصة، وكأم تقع عليها مسؤولية تربية وإعداد جيل صالح ينهض بالمسؤوليات ويقوم الواجبات ويفي بالالتزامات.

ومعنى تعرضها في أي مرحلة من هذه المراحل للاضطرابات النفسية ذات الانعكاسات السيئة على أنماط السلوك السوي، هو حدوث اهتزاز خطير في منظومة التربية من أساسها، فلا يمكن للمرأة كأم أن تقدم ما يحفظ لأبنائها الاستقرار النفسي والسلام الداخلي إذا كانت هي نفسها تعاني من صراع داخلي نفسي حاد، كما لا يمكن للمرأة كزوجة البقاء صامدة صابرة طويلًا إذا اصطدم حبها بعنف مع ضلال الاعتقادات وتحجر التقاليد البالية لأن الشرارة حينها ستصبح نارًا تحرق كل من الطرفين.

ظهر ضمن مناهج العلاج النفسي المستمدة من النظريات العلمية ما يعرف بالعلاج النفسي النسائي، وذلك مع تطور النظريات السياسية والفلسفية والفلسفات الأخلاقية المتعلقة بخصوصية سيكولوجية المرأة، ولشدة حساسية الموضوع فقد صعب تطبيقه في بداية الأمر لأنه يتطلب وجود الشخص المؤهل والمدرب تدريبًا علميًا ومهنيًا جيدًا، ويستخدم منهجًا معترفا به وهذا من جهة.

ومن جهة أخرى، صعوبة توفر قدر كبير من القناعة لدى المرأة بجدوى هذا العلاج الجديد، خاصة وأن الأوساط النسوية لم تتقبله بسهولة، وسريعًا ما تحول العلاج النفسي النسوي من كونه حركة طبية أو علمية علاجية إلى حركة سياسية ترفض النظرة النمطية القديمة للمرأة، وتعترض على وصفها بكل ما كان يتفق مع التصور الرجالي من تعصب وتحيز ضدها، ويناقض في نفس الوقت كل ما يتفق مع التصور النسائي المغاير في الحقيقة لقيم المجتمع الذكوري السائدة في هذا العصر، ومنها التعصب في الرأي والعناد في الموقف والقهر الاجتماعي الذي تسبب في حدوث الكثير من المشاكل النفسية للمرأة جعلتها في الكثير من الحالات تخرج من حياة من أحبته يوما بنفس السرعة التي ارتبطت فيها به.

وعلى ذلك، كان على المعالج النفسي أن يفهم طبيعة المجتمع الذي نشأت فيه المرأة والمناخ الاجتماعي الذي عملت فيه، وكان عليه أيضًا أن يعرف مصادر القواعد المنظمة للعلاقات الاجتماعية ومنابع النظم السلوكية والعادات الشائعة والتقاليد المتبعة والقيم السائدة والمبادئ المفروضة التي تتعلق بتوجيه وبضبط السلوك إن كانت مثلا ريفية أو حضرية، تقليدية محافظة أو دينية متشددة أو منفتحة ومتحررة.

ومثال على ذلك، السلوك التخريبي الذي تستحسنه وتحرض عليه جماعات السيطرة العقائدية والثقافية في حين تعاقب عليه هو ذاته نظم سياسية أخرى إذا كان صادرًا عن الجماعات غير المسيطرة، ومثال على ذلك أيضا استحسان السلوك الفظ ، الخشن أو العنيف من الذكور واستنكاره إذا صدر من الإناث حتى في حالات الدفاع عن النفس أو التوثب للانتصار لمصلحة أسرتها والحفاظ على كيانها.

اقرأ أيضًا: رحل بطل فيلم Up.. ما لا تعرفه عن الأمريكي إدوارد أسنر

العلاج النفسي بصفة عامة يقصد به العمليات التي تستهدف مساعدة المريضة صاحبة التوتر النفسي أو الاضطراب السلوكي أو الانحراف الأخلاقي، من خلال استخدام المبادئ وتسخير النظريات واستغلال الاكتشافات الناتجة عن رحلة البحث العلمي والتجريبي في عوالم النفس البشرية، وفروع علم النفس ومدارسه كالمدرسة السلوكية ومدرسة التحليل النفسي؛ وذلك من أجل تقويم أفكار المريضة وتصويب آرائها وتصحيح اتجاهاتها والتأثير في مشاعرها لمحاولة التعرف أكثر عن فكرتها عن نفسها وعن المحيطين بها والتقرب من ظروفها المعيشية.

كما تستهدف هذه العمليات التأثير على سلوك المريضة بقصد مساعدتها على التغلب على السلوك المنحرف، والأخذ بيدها للتكيف مع مشاكل حياتها الأسرية وتأهيلها لمواجهة ما قد يوجد في الحال أو للتعامل مع ما سيستجد من صعوبات مهنية أو صراعات اجتماعية يمكن أن تتعرض لها، أو من أجل التصدي والتغلب على أي توترات تحدث في علاقاتها الشخصية، لهذا لا يوجد في الواقع علاج نفسي وحيد أو علاج معين يقتصر على استخدام منهج واحد بعينه أو يعتمد على طريقة واحدة، وإنما هناك مناهج متعددة لإحداث التأثير المطلوب في معالجة الاضطرابات العقلية أو الانفعالية أو النفسية أو السلوكية، فالعلاج النفسي يستهدف التأثير في شخصية المريضة من جميع جوانبها.

وبالنسبة للمرأة، فإن العلاج النفسي النسوي يستخدم العديد من المناهج وطرق العلاج كالعلاج بالتحليل النفسي أو العلاج السلوكي أو العلاج المعرفي، وتستهدف جميع هذه الطرق العلاجية إنارة الوعي بأخطار التمييز ضد المرأة سواء في مجال العمل على أساس الجنس، وتعميق الإدراك بالأضرار الجسيمة للمعاملة على أساس الانتماء لجهة معينة أو لسلالة محددة أو التعصب للعرق أو معاملة المرأة فقط كموضوع للإشباع الجنسي.

ومثل هذه الاتجاهات إن كانت للأسف ما تزال موجودة في إطار العديد من الأسر وعلى نطاق واسع في الكثير من المجتمعات التي تعيش في ظل أفكار متخلفة وقيم بالية فإنه ينبغي العمل على إزالتها نهائيًا، والتأكيد على أن للمرأة كرامتها وعزتها ودورها في الحياة.

والعلاج النفسي النسوي، يستهدف تعديل النزعة التقليدية في العلاج النفسي التي تصف المظاهر السلوكية التي تتفق مع الرجل بأنها مظاهر سوية ومقبولة، وأن تلك المظاهر التي تتفق مع النمط النسائي الفطري على أنها مظاهر شاذة.

الفطرة التي فطرنا الله تعالى عليها، ترفض فكرة أن تكون هناك ميزة للزوج كونه الطرف الفاعل المؤثر في العلاقات الزوجية، كما ترفض اعتبار وجود نقيصة في الزوجة كونها الطرف المتأثر، فنجاح العلاقة الحميمية بين الزوجين مرتبط بقوة التأثير وبقوة التأثر معا، والعلاج النفسي النسوي يرفض العقلية القاضية بسمو الرجل ونقص النساء عقلا ودينا.

ووفقا لمفهوم العلاج النفسي النسوي، لا يمكن قبول فكرة أن جميع الرجال أرقى مكانة وأكثر امتيازا عن جميع النساء، لأنها فكرة غير واقعية وغير علمية وغير منطقية ومرفوضة، فمناهج العلاج النفسي التي تنطبق على الرجال والنساء واحدة، وأهدافها واحدة؛ وهي إعادة التكيف والسعادة للمريضة وتحريرها مما أصابها من توترات، وتخليصها من ما تعانيه من آلام الصراعات، ومن ما يزعجها من قلاقل أو يمر بها من أزمات وتعيشه من مشاكل، ومن ما تشكو من أعراض الحالات التي تتألم منها نفسها وصولا إلى تعديل وجهة نظرها لحياتها وتصحيح موقفها من مجتمعها.

ولا يختلف اهتمام علماء النفس بالمرأة عن اهتماماتهم بالرجل، وإن كان يبدو أنه من الضروري مراعاة طبيعة البيئة التي نشأ فيها كلا منهما والظروف الاجتماعية التي تربيا فيها سواء كان المريض ذكرا أم أنثى، ثم معرفة العوامل الثقافية المحيطة بالمرأة والمؤثرة في شخصيتها والتي شكلت عقائدها الفكرية وتحكمت في تحديد توجهاتها في الحياة.

سعادة المرأة تنعكس مباشرة على طبيعة حياة الرجل وتؤثر في رفع روحه المعنوية واتزان حالته النفسية، ومن هنا تشكلت القناعة الراسخة بضرورة الاهتمام العلمي والنفسي بالمرأة على نفس القدر من الاهتمام بالرجل، وتأكدت على ذلك أهمية النظر إليهما نظرة عدل ومساواة، لأن لا انحياز في العلم ولا تعصب، فالرجل والمرأة سواء في التمتع بحقهما الطبيعي للعيش بكرامة، وهما سواسية أمام واجب الاهتمام بهما لتحقيق سعادتهما معا.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: أثر الفارق العمري في التواصل بين الزوجين