صبحة بغورة تكتب: الخلافات الزوجية.. توابل الحياة أم عوامل هدم؟

الخلافات الزوجية، توصف بأنها توابل الحياة الزوجية، لأنه خلال سنوات المعاشرة الزوجية تتأرجح المشاعر وتتبدل العواطف ما بين أحاسيس مشتعلة ورغبات متوهجة إلى غزل فاتر وأشواق خامدة؛ إذ يتحول الزواج بسبب ضغوط الحياة اليومية وتعقيداتها إلى حالة من الملل ما لم يتدارك الزوجان الأمر وينتبهان إلى ضرورة تعزيز حياتهما، وتخليصها من ما شابها من رتابة قد تؤدي في أدني حالاتها إلى إحداث شرخ عميق في جدار حياتهما أو قد يؤدي إلى الطلاق.

ما هو غريب في الأمر، أن يقال أن العاصفة تهب مرتين يوميا على الحياة الزوجية، إنها ثماني دقائق على فترتين كافية لتقرر مصير الحياة الزوجية كلها، منها الدقائق الأربعة الأولى عندما يستيقظ الزوجان صباحا، والفترة الثانية، الدقائق الأربعة الأولى بعد عودة الزوج من عمله مساء.

وتكون هاتان الفترتان، مشحونتين بالانفعالات وليس ضروريا أن يتكلم أحدهما حتى يحتد الآخر، فأغلب التأثيرات المتبادلة بين الزوجين تنتقل من خلال لغة الجسد عبر الإيماءات وتعبيرات الوجه والعينين والفم واليدين؛ حيث يجذب كل طرف بحساسية فائقة جميع المعلومات التي تجمعها له حواسه.

وبعد مرور الدقائق الأربعة الحرجة، يهدأ العقل ويخف هيجان الحواس تدريجيًا، ولكن يبقى ما قد ترك انطباعه لدى الشريك خلال الفترة الحرجة سواء كان مستحسنا أو مستهجنا عالقا في الذهن، وسيظل يطبع بصماته على كل لحظة في علاقتهما وستتراكم الانطباعات يوما بعد يوم، سواء لتضاعف رصيد المحاسن؛ فتعزز روابط المودة أو ترفع رصيد النقائص؛ فتزيد من دوافع التفكك الأسري.

يخطئ الزوج والزوجة إذا ظن أحدهما يوما أن عشرة السنين يمكن أن تجعل الطرف الآخر يفهم شريكه تمام الفهم، وأن يدرك ظروفه عميق الإدراك ويتهاون على طول الخط؛ إذ أن هاتين الفترتين تهبان صباحًا ومساءً خلال اللحظات التي يشعر كل طرف باحتياجاته والاطمئنان إلى أهميته عند شريكه.

لذلك، يمكن القول أن هاتين اللحظتين تعطيان صورة حقيقية لواقع العلاقة بينهما ويوضحان ما إذا كانا متحابين أو متنافرين، فالزوج الذي لا يميل إلى زوجته سيبدو دائم التبرم والتذمر، لا يكف عن الشكوى ولا تراه إلا عابسًا مكفهرًا، والزوج المحب لزوجته يعبر دائما عن محبته بلمسة حنان أو ببسمة أو بكلمة رقيقة أو بالثناء عليها بعد كل مجهود تبذله. من الخطأ الاعتقاد أن الحياة الزوجية يجب أن تكون خالية تمامًا من الخلافات والمشاكل على تنوع مسبباتها وتعددها ومهما كان حجمها، ومن الخطأ أيضًا الاعتقاد أن أي خلاف ينشأ بين الزوجين هو بداية المضي في الطريق للتباعد وأن ثمة جدار فاصل بدأ ينتصب يحول بينهما وبين استمرار العلاقة الزوجية.

فالخلافات وغيرها، تعتبر من الأمور التي تعمل على تجديد أجواء الحياة الزوجية، وتعمل على زيادة بصيرة الزوجين بما يكون قد غاب عنهما، فيعمل كل من جهته على تقويم إعوجاج وإصلاح شأن أو تجديد وضع أو مراجعة أسلوب حياته، وابتكار الطرق المثلى لحل خلافاتهما بشكل يجنب الأسرة التأثر بسلبيات تلك الخلافات من جهة. ومن جهة أخرى، جعلها طريق لزيادة الارتباط أو نقطة انطلاق جديدة لتوطيد العلاقات؛ حيث يمكن للزوجة الحصيفة أن تحول الخلاف بإظهار بعض الغيرة الظريفة بعبارات تدل على غيرتها اللطيفة الخفيفة التي تنبئ عن الحب وليس عن الشك لاستبدال نار الغضب في نفس الزوج بلهيب الحب في قلبه وهكذا يمكن لها تجاوز محطات الخلاف ليعود الصفاء لحياتها مرة أخرى.

النصائح المفيدة لكل زوجه من أجل امتصاص غضب الزوج كثيرة، وأكثر الزوجات ذكاء هي تلك التي تعرف كيف تتصرف أمام زوجها لتمتص غضبه ومن ذلك عدم استقباله بالشكوى من الأطفال وهموم البيت، وعدم مقاطعته ومعارضته وهو غاضب بل بتأييده ببعض الكلمات، ثم تبدأ بعد أن يهدأ في طرح وجهة نظرها بأسلوب لبق وبشاشة، وأحيانًا، تقديم الاعتذار عن خطأ أو تأخير بعد مناداته بأحب الأسماء إليه.

لاشك أن الخلافات الزوجية تبقى خطرًا يهدد الأسرة ويخيف المجتمع، لأنها تفتح الباب واسعًا أمام عبث يد الشيطان لفك روابط الميثاق الغليظ والإيقاع بالمجتمع في شباك الأذى وهدم عش الزوجية.

والثابت، أن العلاقة الزوجية مبنية على الظن الحسن والثقة بين الطرفين وعلى التكامل كعامل مهم في تهيئة الجو المناسب للبيت السعيد، مع الابتعاد عن الإهانات، أما عندما يتم التطرق في غمرة الخلافات إلى فتح حسابات حول موضوعات قديمة، فإن ذلك يزيد من حدة التوتر ويجعل الأمور تخرج عن السيطرة.

وهناك من يعتقد أن الخلافات الأسرية وقود الحياة الزوجية، وهي خلافات متكررة حتى أصبحت طبيعية ولا يملها كثير من البيوت، لكن حتى هذه الخلافات لها أصول لا ينبغي تجاهلها وقواعد لا يجب تجاوزها حتى لا يتفاقم الخلاف ويتحول إلى عداء حاد ومزمن.

ومن أهم أصول الخلافات، التزام الصمت وقت الغضب أمام عصبية الطرف الثاني، بما يضمن عدم الانزلاق اللفظي نحو التطاول في القول أو تبادل المعايرة على الأفعال، أو اللجوء إلى الضرب.

إن حالة القلق النفسي لدى الزوجين تنعكس مباشرة على الأسرة؛ إذ يعاني الأطفال في أسر متوترة وغير سعيدة من انعدام التوازن الداخلي ومن فتور الاهتمام العاطفي من الوالدين ومن مشاكل تعليمية عديدة وتأخر دراسي كبير ناتج عن ضعف التحصيل، وعن المعاناة من بطء التعلم والمشاكل الإدراكية.

لذلك، كان من الضروري والهام المبادرة بحل الخلافات الزوجية بطرق موضوعية جدًا، أي أن النقاش مركزًا على أصل الخلاف دون التطرق إلى المسائل الهامشية حتى لا تتشعب الأمور ويصعب حصر الحوار وإيجاد الحل.

أيضًا، هناك طرق عملية، أي ممكنة التحقيق بسهولة، بداية من عدم نشر وإفشاء المشكلة القائمة بين الزوجين والإسراع بمعالجتها معا بسرية تامة حتى عن الأبناء، فالحوار الهادئ والتفاهم أعمدة مهمة لعلاج أي خلاف مع النصح والتواصي بالحق والموعظة الحسنة، مع تجنب الغضب أو المبادرة في حل أي خلاف وقت الغضب.

يجب ضرورة التحلي بالصبر الجميل واللين، ومراعاة ذكر نقاط الاتفاق بين الزوجين، وعرض حسنات كل منهما والإيجابيات التي يتحلى بها والفضائل المتبادلة بينهما، مما يخفف الاحتقان ويهدئ النفوس ويرقق القلوب ويقرب وجهات النظر، وييسر التنازل عن كثير مما في النفوس.

وككل الأزواج المستبصرين لحقائق الكون وأسرار المخلوقات، لابد أن يبصر الزوج مكنونات المرأة وطبائعها المتأصلة فيها كالغيرة، ويجب أن يعلم الزوجان ويتيقنا من أن المال ليس سببا للسعادة وليس النجاح في القصور والسير أمام الخدم وإنما النجاح في الحياة الهانئة، الهادئة السليمة من القلق، البعيدة عن الطمع، وفي تلك الأسر التي تترفع دومًا عن الصغائر وتغض الطرف عن الهفوات والزلات والأخطاء غير المقصودة.

الزوج والزوجة، الأب والأم، وجهان لعملة واحدة وعينان لأسرة واحدة، والحياة الأسرية مليئة بأسباب الغبطة ودواعي السرور، وتنعكس إيجابياتها على الأبناء، وأسوأ ما تتعرض له الأسرة أن يهز كيانها خلاف عائلي عالي المستوى بين الزوجين، ويصل هذا الخلاف إلى طريق مسدود، ويقف الأطفال بينهما في حيرة من أمرهم.

ويرتكب الزوجان جرما في حق الأبناء عندما لا يعيان ولا يعرفان ما يغرسانه في نفوس أبنائهم، ويؤدي بهم إلى القهر والإحباط، لذلك وجب التنبه إلى ضرورة مراعاة شعور الأطفال قبل وقوع المشاحنات وقبل احتدامها بأن تبقى الخلافات بين الزوجين طي الكتمان حتى لا يشعر بها الأبناء ولا تؤثر عليهم، فيضطرون إلى تفريغ ما بداخلهم من قلق ومن تأثير فقدان الطمأنينة الوجودية لهما إلى الانحراف والتشرد وتراجع شخصياتهم عاطفيًا ونفسيًا وجسديًا.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الحياة بلا زينتها!