صبحة بغورة تكتب: الثقافة الجنسية في المدارس.. رفض فتحفظ ثم قبول!

انتشر مقترح تدريس الثقافة الجنسية في المدارس منذ فترة الستينات في العديد من دول العالم، ولم ير حينها البعض مانعًا من أن تكون موضوعًا ضمن المناهج التربوية والعلمية في إطار الدراسة الأكاديمية التعليمية، بينما تحفظ آخرون كونها موجودة بالفعل في كتب الأحياء، وسيكون مفهومًا أن ما يقال عن الكائنات الحية ينصرف تلقائيًا إلى البشر، لذا، فلا حاجة لحرج التوسع بالمعلومات أو التعمق في التفصيلات الجنسية.

فيما تخوف البعض من احتمال أن تنعكس الأمور لانحرافات وسلوكيات سلبية خاصة في مرحلة المراهقة، ناهيك عن أن بعض التلاميذ يصلون المرحلة الإعدادية وهم لم يبلغوا بعد سن الحلم، وسيستشعرون الحياء من أمر بالنسبة لهم مجرد طلاسم لا يدرون كنهها.

وأثار تسليط الضوء على هذه الفكرة الجريئة في مجتمعنا العربي الإسلامي ردود فعل عديدة مختلفة معظمها جاءت صريحة ومعبرة عن مواقف واضحة لأصحابها، فكانت جرأة الإجابة على قدر جرأة الطرح وأهمية المقترح. لم تعد كلمة "الجنس" وما يتعلق بها مثل "الثقافة الجنسية" من أكثر الكلمات خطورة داخل مجتمعاتنا العربية، ولم يعد الوضع كما كان إذا نطق بها أحدنا؛ إذ سرعان ما كانت تتسارع مشاهد مختلفة في أذهان كل من يسمعها فيرى هذه المشاهد من منظوره هو.

لكن أكثر ما يثير الانتباه في تلك اللحظة، الأعين التي تزوغ وتتوه في الآفاق، والحديث الهامس بين البعض والابتسامات الماكرة، ثم تبدأ سلسلة من التعليقات الأقرب إلى الاتهامات، فالجنس دائمًا كان منطقة مُحرمة لا يدور الحديث عنه إلّا همسًا داخل الغرف المغلقة، ويتعامل معها الجميع داخل مجتمعنا العربي باعتبارها أسرارًا ممنوع الاقتراب أو الكشف عن مستورها أو البحث فيها.

لذلك، تراكمت الموروثات الشعبية وفتاوى من يعلمون ولا يعلمون حول حدود الحديث عن الجنس وما يجب فيه وما لا يجب، لذا، لم يسمعَ أحدٌ إلا محاولات محدودة للحديث عن الثقافة الجنسية خوفا من الاتهام بالخلاعة وخدش الحياء وكشف أسرار البيوت.

كذلك، لم تر بعض المربيات حرجًا في تدريس الثقافة الجنسية في المدارس الابتدائية كمنهج علمي وبأسلوب بعيد عن الابتذال والاستخفاف وذلك بعد عمل استبيان للرأي العام يوزع على الأسر لاستطلاع الأمر بالنسبة إليهم وتقدير صداه، وعقد لقاءات تشاورية وتبادل الآراء مع الآباء قبل البدء بإعداد منهج خاص بالثقافة الجنسية للتلاميذ يكون وفيرًا بالمعلومات العلمية المفيدة في إطار من التقديس الديني.

ومن الآراء المثارة أيضًا، أنه من الأفضل تدريس الثقافة الجنسية في المرحلة الثانوية بشكل موجز وبعيد عن التعليقات الساخرة والتصرفات المستهترة بأهمية هذه الثقافة، ويمكن أن يحد هذا من مظاهر توجه الشباب نحو تقليد السلوك المنحرف والتصرفات الشاذة التي يراه الشباب في الأفلام والمسلسلات الغربية، ويشير البعض إلى أهمية دور الأسرة في شرح كل ما يتعلق بالحياة الجنسية بطريقة موجزة وبسيطة وبأسلوب علمي يراعي موقف الدين والأخلاق والعادات والقيم الاجتماعية يجعل المراهق قادرًا على الاستيعاب.

وبرزت آراء أخرى تحمل تحفظات تتعلق بطبيعة المرحلة العمرية وهي فترة المراهقة الحائرة في حقيقة الوجود وأسرار الكائنات، والاعتقاد أن الأمر ليس سهلًا بل أكثر تعقيدًا من أن يشرح عبر مناهج دراسية وتعليمية، ويمكن أن تثير مفاهيم سلبية وتؤدي إلى نتائج عكسية على الطلاب وعلى المجتمع، وسيكون مردود تطبيق الثقافة الجنسية سلبي، لأن الطالب في هذه المرحلة لا يتمتع بالملكو الكافية للتمييز، ولا يمتلك مهارة الفصل خلال دراسته للثقافة الجنسية بين جدية الدرس وإثارة الواقع بحكم صغر سنه وضيق أفقه ومحدودية إدراكه.

لذا، فإنه من الأفضل ترك الأمور إلى حين بلوغ الطالب مرحلة ما بعد المرحلة الثانوية أو على الأقل السن القانونية الذي يتفق عليه المجتمع في إطار الشريعة الإسلامية حين يكتمل لديه الوعي الكامل واتزان الشخصية والشعور بالمسؤولية.

ولا ينكر بعض الطلاب أن الثقافة الجنسية ركيزة أساسية وثابتة في الحياة الزوجية ولابد من تعلمها قبل الزواج ولكن ليس في المرحلة الدراسية، إنما يتم تعليمها لمن يريد الزواج من خلال تكثيف ندوات التوعية والمحاضرات أو نشر كتيبات للمقبلين على الزواج، لإبراز أهميتها في تحسين الحياة الزوجية.

وتؤيد الكثير من الأمهات تدريس الثقافة الجنسية في المنهج الدراسي، ويفضلن البدء بها منذ الصف الأول الإعدادي؛ لأن ما يطرأ على الفتاة من تغيرات فسيولوجية ونفسية يجعلها في أشد الحاجة لتوضيح، على أن يكون بأسلوب موجز يحقق غرض تكوين خلفية عن أهمية الموضوع وعن علاقته الوثيقة بازدهار واستمرار الحياة البشرية وحياة جميع الكائنات.

ويشدد الأولياء على أهمية أن يقوم لهذه المهمة متخصصون علميًا ونفسيًا وضمن الإطار الديني والقيم الأخلاقية والمبادئ الاجتماعية حتى لا يكون هذا الموضوع الحساس فرصة لضعاف النفوس لإثارة الغرائز الجنسية، فلا يفهمونه سوى من منطلق خبيث وغريزي بحت. كل إنسان مكلف بمعرفة احتياجاته من الأكل والملبس والعلاقات الإنسانية وأمور الزواج، ولكن أن تعد الثقافة الجنسية منهجًا تعليميًا ودراسة إجبارية في المدارس فهو أمر ليس سهلًا وليس مهما في المراحل المبكرة من الدراسة، لذلك يتفق البعض على أن دور الأب والأم كفيل بسد هذه الثغرة وقت اللزوم.

تلعب بعض الفضائيات والإنترنت عبر برامجها المتحررة وأفلامها الإباحية وما تبثه المواقع الالكترونية دورًا سلبيا وغير منضبط في إثارة الغرائز، وإشاعة الفاحشة، وتشتيت تركيز العقول، وزعزعة ثبات النفوس؛ ليجعل المراهقين على غير استعداد للتشاور والحوار، ويضيقون بالنقد ولا يتقبلون النصح حتى يبدو أنه لا ينفع معهم أي نقاش من أجل تهذيب سلوكهم وصرفهم عن ما يثيرهم أحاسيسهم البدائية ومشاعرهم الساذجة من مظاهر الابتذال والاستخفاف.

والأبناء فضوليين بطبعهم لاستكشاف هذا العالم بطرقهم الخاصة، ومنهم من يتبادلون سرًا أشرطة وصور لمناظر منحرفة ولقطات مخجلة، ويزورون المواقع الشاذة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويحلمون لو أنهم استطاعوا أن يحاولوا انتهاز كل فرصة لتقليد ما يشاهدونه.

وقد أدى تفشي هذا السلوك إلى الانحراف الأخلاقي وضياع الكثير من الفتيان والفتيات نتيجة بحثهم عن سبل تثقيف أنفسهم جنسيًا بطرق خاطئة مرفوضة دينيًا وصحيًا وأخلاقيًا، وتؤدي مثل هذه السلوكيات إلى خدش الحياء وسقوط قناع الخجل، وحينها سيجد الآباء والأمهات صعوبة في الحديث مع ابنائهم وبناتهم بعدما أصبحوا أسرى شهواتهم.

في التقدير العام، فإن الثقافة الجنسية موجودة في كتب الشريعة ومنهج العلوم المدرسي ضمن معلومات بسيطة وبطريقة غير مباشرة، وإذا كان من الضروري تدريسها بوضوح أكبر؛ فيجب أن يقوم بهذه المهمة متخصص ملم بالاعتبارات الدينية والجوانب العلمية وبطبيعة الأبعاد النفسية حسب قيود البيئة المحيطة وتقاليد المجتمع التي لا شك ستفرض قيودًا على محاولة التوسع في تفصيلاتها.

ولابد من التشديد على الضرورة القصوى للاهتمام بالنظافة الشخصية والوضوء، فهما اعتباران أساسيان لضبط وترشيد سلوك المراهقين وكبح غرائزهم ومشاعر الخوف وتهذيب نزعة الفضول لديهم لاكتشاف كل ما يتصل بهذا العالم الجديد عليهم، أي أن ضرورة تضافر الثقافة الجنسية بالثقافة الصحية وربطهما بأوامر ونواهي الدين، هي التي تحقق التكاملية في عملية التعليم والتوازن العقلي لإدراك المقاصد النبيلة لهذه الثقافة.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: تربية الأبناء على الصدق