صبحة بغورة تكتب: التوافق مع ضغوط الحياة اليومية

يساير معظم الناس ضغوط الحياة اليومية ويواجهونها بما يملكون من قدرات ذاتية عقلية وجسدية ومقومات الشخصية القوية السوية، فالحياة الدنيا خلقت للإنسان وطوعها له الخالق بكلمة منه عز وجل، ويبقى أن يلج الانسان أسرارها ويكشف مكنوناتها؛ ليعرف معنى الحياة ويدرك قيمة وجوده فيها.

تثير رحلة البحث عن المعرفة ومسيرة الاجتهاد في توفير المتطلبات الكثير من الآلام والمتاعب، ويحدث أنها قد تحفر في النفس خطوطا عميقة من الانكسارات، وتطبع في الذاكرة صورًا مزعجة تحرك مشاعر الإحباط وخيبة الأمل. ولكنها في المقابل عند ذوي الهمة والعزيمة والصبر، باعثًا قويًا لمواصلة الجهد الدؤوب والبحث الحثيث عن أشكال وسبل التوافق مع الضغوط، وإمكانيات تجاوز صعوباتها وطرق التكيف الناجح مع مختلف التغيرات ووسائل التأقلم السريع مع التقلبات مهما كانت طبيعتها وحدتها.

إن المواجهة الشجاعة، هي التي يمكن أن يحقق من خلالها المرء التوافق بين متطلباته الذاتية ومقتضيات البيئة حوله، وفي ثنايا هذا التوافق يكمن الانسجام بين طبيعة النفس المتطلعة دوما نحو الأفضل والمدفوعة بفضول ذاتي دفعًا لتحقيق المزيد من الطموح، وهذا الانسجام يخلق التوازن الداخلي للفرد الذي يجب أن يلبي هدف هذا الدافع ويحاول إشباعه، ذلك أنه عندما لا يستطيع المرء إشباع الدافع إشباعا مباشرا ينتج عنه إحباط.

إن أسعد الناس وأكثرهم توافقًا مع أعمالهم ومجتمعهم، يتعرضون للشعور بالإحباط ، فخيبة الأمل ومظاهر ضغوط الحياة اليومية والصراعات المهنية والوظيفية المستمرة في خضم التطلع القوي نحو الأفضل؛ هي سنة الحياة التي تدخلهم في مشاكل حياتية منها اجتماعية او اقتصادية أو أسرية. وتكمن العبرة في القدرة على استعادة المواءمة الداخلية للمحافظة على الروح المعنوية مرتفعة، وعلى روح المقاومة والتحدي متأججة.

إن مثل هؤلاء يعلمون أن الإحباط هو أي دافع نفسي أو نشاط عضوي يلح في طلب إشباع زيادة الرغبة في الطموح، سواء كان الدافع فطريًا أو مكتسبًا من البيئة المعاشة، ثم يصعب عليه إشباع طموحاته المستثارة.

وكثيرًا ما يشعر الإنسان بالإحباط العميق والحسرة الشديدة على السنين التي قضاها من عمره في البذل والتضحية والعطاء بين التحصيل الدراسي وأروقة العمل، رغم الصعوبات والانكسارات، بدون أن يقابلها أدنى تقدير، ويسبب ذلك من مشاعر الإحباط، فتتحول حالة الشخص من المسرة إلى مشاعر الضيق والاستياء، ثم إلى البحث عن مخرج من هذه الحالة أو على الأقل التخفيف منها، وعندما يفشل يبحث الفرد عن مكنوناته الداخلية النفسية التي تحاول المحافظة على التوازن والبدائل التي تمثل حيل التوافق.

أما إذا لم ينجح الفرد في إزاحة هذا الإحباط وحالة الشد النفسي وضغط الأزمة، فستتحول حتما إلى تكوين ضغوط نفسية ذات طابع مثير ومؤثر على سلوك الفرد، وعدم اتزانه أمام الناس.

الإنسان دائما في حالة جذب وطرد بين حالات قد يصعب تحقيق بعضها، مثل البحث عن عمل يناسب إمكاناته وقدراته وميوله، أو دراسة يعتقد أنه تناسب طموحه وتحقق له دخلًا مناسبًا يكفي متطلباته ومتطلبات أسرته، وهو إذ يجهد نفسه في ذلك، فقد لا يجد ضالته، وحينئذ يكون بصدد مواجهة صراع بين المتطلبات الاقتصادية لحياته والوضع الراهن المفروض عليه الذي لا يستجيب لرغباته وقدراته؛ فتزداد الحالة النفسية سوءًا، ومعها يزداد الإحباط ويكون للضغوط النفسية دور كبير ملازم لهذا الإحباط، والتي من نتائجها بروز القلق بشكل واضح، وازدياد حدة الغضب لدى الفرد إلى حد فقدان السيطرة على الأعصاب وعلى السلوك العام.

إن أفضل أسلوب يمكن أن يتبعه المرء للتعامل مع الإحباط الناتج عن ضغوط الحياة اليومية، هو المرونة في السلوك إزاء الإحباط أو الضغوط النفسية الناجمة عنها، فالتحديات الجديدة الناجمة عن الاحباط تتطلب حلولًا جديدة، ومن أهمها تجاهل الموقف الضاغط تجاهلًا تامًا، ثم الإنكار التام لكل الصعوبات التي تتضخم أحيانًا حتى تبدو مشكلة عويصة غير قابلة للحل.

كذلك، استخدام وسيلة تجنب الشعور بالمشكلة بأي شكل ممكن وعدم إعارتها أي اهتمام مهما بلغت شدتها وقوتها، وعدم الأخذ في الحسبان النتائج المترتبة عليها مهما كانت، فالفرد المحبط تغلق عليه حالته رؤية الحلول الصحيحة وتضيع مفاتيح الحلول مهما كانت المشكلة بسيطة.

وحينما لا يستطيع الفرد عمل شيء مفيد، فإنه يمكن تجنب التوتر بطريقة ما؛ إذ أن استذكار المشكلة وتذكرها هو بحد ذاته مشكلة سوف يعقدها بالتأكيد ويشعره بعجز عن إيجاد الحل المناسب لها، وبالتالي تضعف مقاومته لها ، فتذكر المشكلة إذن هو مبالغة لها تقلل من قدرته على إيجاد الحلول المناسبة لها، وإحساسه بالفشل والاستسلام بعد ذلك والشعور بالاكتئاب.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: السعادة هدية الوعي..!