صبحة بغورة تكتب: التبول اللاإرادي عند الأطفال.. أسبابه وعلاجه

التبول اللاإرادي مشكلة شائعة في مرحلة الطفولة، وهو من أكثر الاضطرابات شيوعا التي تثير قلق الوالدين خاصة بعد سن الخامسة؛ إذ لا تعد قبل سن الخامسة مشكلة، وهو يظهر بعدم قدرة الطفل على السيطرة أو التحكم في مثانته، وأسبابه قد تكون وراثية أو بسبب أمراض في الجهاز البولي أو اضطرابات في النوم أوفي الجهاز العصبي، بمعنى أنه تبول أثناء النوم كظاهرة غير إرادية تحدث أثناء المرحلة الرابعة من مراحل النوم أي في حالة الارتخاء العام للجسم.

وهناك اعتقاد بأن ما يفعله الطفل نهارًا بعد هذا السن من التبول في ملابسه هو عمل متعمد لجذب الاهتمام إليه، لأنه لا يستقيم الاعتقاد بالفعل اللاإرادي إذا كان الطفل قد تمكن سابقًا من التحكم في تبوله وأصبح يعرف طريقه إلى الحمام، أما أن يحدث له تبول لاإرادي خاصة أثناء نومه ليلا في هذه الحالة تكون هناك مشكلة، والبحث في أسبابها سيكون المفتاح للولوج إلى الحلول الممكنة لعلاجها.

من أبرز الأسباب الرئيسة للتبول، وجود اضطرابات نفسية انفعالية بسبب الخوف من الظلام أو من القصص المزعجة أو من الحيوانات ومن التهديد بالعقاب، والشعور بعدم الأمان، أو فقدان الحنان من أحد الوالدين وشعوره بالحرمان العاطفي من جانب الأم، أو الغيرة، أو وجود سوء تفاهم حاد بين الوالدين انعكس على الطفل وتأثر به، أو وجود تشوه عضوي في منطقة المثانة وخاصة المجرى البولي، أو تشنج المثانة وعدم قدرتها على إمساك البول طوال الليل، أو الإصابة بمرض السكري الذي من أعراضه شرب الماء بكثرة مع عطش شديد ينتج عنه التبول بتكرار وكثرة.

يلاحظ أن التبول اللاإرادي عند الذكور أكثر منه عند الإناث، وتبليل الفراش بالنسبة للطفل الأكبر سنا مزعجا للغاية لأنه يعرضه للسخرية من الأخوة والأصدقاء فيثور بعصبية وقد يلجأ للعنف، ومما يزيد في حالته توبيخ الأم له وتوجيه العقاب البدني فتهتز ثقته بنفسه ويؤدي ذلك إلى العزلة الاجتماعية.

وقد يقع ما هو أسوأ، عندما يستمر تبليل الفراش حتى مرحلة البلوغ؛ حيث تبرز تعقيدات نفسية خطيرة تؤثر على اعتداده بنفسه وعلى اندماجه في الحياة الاجتماعية وعلاقاته الشخصية، واستمرار معاناة الطفل من هذه المشكلة تنعكس على حالته النفسية فيصاب بالاكتئاب والإحراج بين زملائه ويشعر دائما بالنقص والدونية، ويلجأ إلى الانزواء والابتعاد عن الأنشطة الاجتماعية والألعاب الرياضية والترفيهية، فتنخفض كثيرًا مستويات تلبية حاجاته الروحية من أجل توازن بناء شخصيته بناء سويًا.

كما يصيبه نوع من الذِلة والخجل أمام إخوته، فيميل إلى الانزواء ويتعرض لنوبات عصبية ويجنح نحو العناد والتخريب والانتقام، في محاولة منه للثأر من نفسه وتعويض النقص الحاصل في شخصيته وكثرة النقد وسرعة الغضب.

يخلق الإفراط في رعاية الطفل وحمايته، عدم ثقته في إمكانية الاعتماد على نفسه وشعوره بعدم تحمله مسؤولية التصرفات السلبية وعواقبها كالتبول اللاإرادي.

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: المرأة والإنجاب.. حكايات لا تنتهي

الاجتهادات في تحديد أسباب هذه المشكلة، أدت إلى تعدد النظريات في تفسيرها، والراجح أنها تنحصر بين أسباب فسيولوجية عضوية، وأسباب نفسية متعددة الأبعاد، وأخرى تتعلق بالعادات الاجتماعية والسلوك الأسري وعوامل الوراثة. تتمثل الأسباب الفسيولوجية والعضوية في ضعف صمامات المثانة أو التهابها والتهاب قناة مجرى البول؛ حيث يؤدي ذلك إلى وجود مشكلة توازن بين كمية البول الذي يدره الجسم وسعة المثانة استيعابه، أو التهاب الكليتين أو تضخم لحمية الأنف؛ حيث تسبب للطفل صعوبة في التنفس أثناء النوم، مما يؤدي إلى إجهاده ودخوله في النوم العميق، وبالتالي زيادة احتمال إفراغ المثانة أثناء استغراقه في النوم، وقد يعود كذلك إلى فقر الدم الناتج عن نقص الفيتامينات؛ إذ يؤدي الضعف العام لعدم السيطرة على عضلات المثانة وكثرة شرب السوائل قبل النوم.

ويلعب العامل الوراثي دوره في حدوث هذه المشكلة، فيرث الطفل هذا السلوك عن والديه، والدلائل الكثيرة ــ وإن كانت لا تزال تحتاج إلى تأكيدات ــ تشير إلى وجود علاقة وراثية بين الآباء والأطفال في مشكلة التبول اللاإرادي، كما أن هناك علاقة بين تبول الطفل وتبول أخوة لهم، كما أن الضعف الناتج عن خلل كروموزومي يصاحبه غالبا تبول لاإرادي.

وتعد مشكلة التبول اللاإرادي مشكلة أسرية في المقام الأول، لأنها حالة تؤثر سلبًا على الطفل وعلى والديه، بل قد تصيب الوالدين بنوع من الإحباط ، كما تصيب الطفل بنوع من الخجل أمام الآخرين وتسبب له شعورًا بالنقص والميل إلى الانزواء.

لا ينظر معظم الأطباء إلى التبول الليلي وكأنه مشكلة حتى إذا استمر إلى ما بعد الست سنوات؛ إذ يعتقدون أن لا يتجاوز كونه يسبب انزعاجًا اجتماعيًا فقط لدى الطفل وأسرته، فالتبول اللاإرادي الليلي منه الابتدائي أي أن الطفل لم يتمكن من التحكم في البول في الليل منذ ولادته، وهي الحالة الأكثر انتشارًا.

وهناك التبول اللاإرادي الليلي الثانوي، وهو عدم التحكم في التبول فجأة بعد أن كان الطفل قادرًا على التحكم في البول لمد لا تقل عن ستة أشهر.

وعمومًا يعتقد البعض أن التبول اللاإرادي في الليل غالبه حميد وهو عبارة عن تأخر نضوج، بمعنى أن هذه الحالة تتحسن تدريجيًا مع اكتمال النضج، ويؤكدون أن معظم الأولاد الذين عانوا من التبول اللاإرادي شفوا من دون أي تدخل طبي.

أيضًا، محاولة تدريب الطفل على التبول والتبرز الإرادي قبل سن العامين يكون ذا أثر ضعيف؛ حيث أن الطفل قبل هذه السن لم يكتمل جهازه العصبي بعد، والأهم عدم قلق الوالدين من وجود هذه الحالة والتعامل مع الطفل بلطف وحب، لأن استعداد الأسرة لخوض هذه التجربة لا يقل أهمية عنه استعداد الطفل نفسه، فيجب عدم الصياح بوجهه أو ضربه أو مضايقته ولو بالنظر، فالأمر ليس إراديًا وهو مريض وليس بيده.

ومن المهم أيضًا، عدم إثارة قلقه ومضايقته حيث يعد التبول اللاإرادي من أكبر مؤشرات الاحتجاج، كما ولابد أن تكون الأسرة مستعدة لتحمل عناء التنظيف وراء الطفل لأنه يسهو عن إبلاغهم برغبته دون إظهار علامات الضيق والعصبية، ولابد من توفير جو مريح ومشجع للطفل في هذه المرحلة.

وعلى الأم أن تتراجع عن عملية التدريب لمدة شهر أو ثلاثة أشهر على الأكثر، إذا اتضح عدم استعداد الطفل من المحاولة معه ، فزيادة التوتر قد ينتج عنها زيادة تفاقم المشكلة، من أجل تحديد السن المناسبة للبداية يجب أن يكون الطفل مستعدًا من الناحية الفسيولوجية، أي بعدما يبلغ العام الثاني من عمره بحيث يستطيع بداية التمرين على السيطرة على تلك العضلات، ومن خلال تدريبه على التبول بانتظام خلال النهار، مما يساعد على التحكم في مثانته أثناء النوم وتشجيعه بهدية عندما يصبح فراشه جافا، وتعويده على الذهاب إلى الحمام قبل النوم مباشرة على أن يتم إيقاظه بعد ساعتين من النوم، مع تجنب تقديم المشروبات والمأكولات المملحة التي تسبب العطش، كما يجب أن يكون أيضا مستعدًا من الناحية السيكولوجية لذلك.

وما ينبغي التأكيد عليه، أن لا يهمل الوالدين تدريب الطفل مبكرًا لكي تتكون لديه عادة التحكم في البول على استخدام المرحاض ويعتبر التبول اللاإرادي مشكلة حقيقية بعد تجاوز سن الخامسة، ويمكن للوالدين اللجوء إلى الطبيب للفحص والشرح عن الحالة وتلقي العلاج المناسب.

ويتم التقييم عن طريق الفحص العام من عدة نواحي، مثل الحالة العقلية والنمو العقلي وملاحظة الطفل بشكل منتظم أثناء التبول لاكتشاف أية مشكلة بالمسالك البولية، مثل ضعف سريان التبول واعوجاجه أو حدوث آلام أو تنقيط أثناء التبول، فقد يكون هناك ضيق بعنق المثانة أو بمجرى البول أو التهاب بولي.

ويمكن تلخيص صفات الطفل المصاب بداء سلس البول، أنه في النهار تنقصه الذاكرة ويبدو أثر ذلك في المدرسة وخلال مراحل التعليم، ويكون نومه في الليل غير طبيعي، متقطع عدة مرات ويعاني كثيرًا من الشخير والهواجس الليلية والكوابيس، وعادة ما يكون الطفل ضعيف البدن، لذلك تشتد الحاجة لتعميق الدراسة في مختلف أسباب هذه الظاهرة وتشجيع الجهود من أجل توسيع البحث في علاجها، ونشر التوعية بأهمية إعداد برامج إرشادية تتضمن نصائح بعدم السخرية منه والاستهزاء به خاصة من جانب الأم والأخوة، لمساعدة طفلها في التخلص من المشكلة، ولعل أهم ما يوصى به على رأس الأولويات هو ضرورة الحرص على إبعاد كل مسببات التوتر عن الطفل وتوفير الأجواء الهادئة في المنزل.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: تأخر الكلام عند الطفل وعسر النطق.. أسبابه وعلاجه