صبحة بغورة تكتب: إعلان حالة الطوارئ في رمضان

هل النساء حقا متهمات بالإسراف في رمضان، أم أن الرجال يرهقوهن بالطلبات الكثيرة؟ لماذا نبحث عن المسؤول لنلقي عليه اللوم ولا نحاول أن نجد الحل لميزانية البيت؟ وهل هناك ضوابط شرعية لترشيد الإنفاق في رمضان؟.. أسئلة كثيرة تدور في أذهان الجميع بحلول شهر رمضان المبارك أعاده الله على الجميع بالخير واليمن والبركات.

تحل علينا بركات المولى عز وجل في هذا الشهر الكريم ونحن لا نزال نعاني وباء كورونا الفتاك، وننظر بألم وأسى إلى ما يحدث حولنا من حروب وكوارث إنسانية لا تريد أن تنتهي، ثم نتأمل حالنا فلا يسعنا إلا أن نقول بلا تردد الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام وأكرمنا بالإيمان.

والإخلاص في العبادات، هو المظهر الذي يؤكد صدق الإيمان، ومنها صيام شهر رمضان الذي يجسد وحدة توجه المسلمين في أرجاء الأرض لرب العباد، ووحدة مشاعرهم في طاعته سبحانه وتعالى وامتثالا لأمره طمعًا في رضاه وثوابه.

الكثير من الأسر والعائلات تعي جيدًا معنى الإنفاق في طاعة الله والتوازن بين الكسب والإنفاق دون تبذير أو إسراف، بينما تتجدد عادة البعض في شهر رمضان، عادة صنعتها الأسر العربية بالإسراف في إعداد أصناف متعددة من الأطعمة والمأكولات بكميات مبالغ فيها دون النظر إلى ما تحمله من زيادة كبيرة في ميزانية الشهر المبارك عن ثبقية الأشهر الأخرى من السنة. النساء يتهمن الرجال والأولاد بالطلبات الكثيرة التي تبدأ من سحور اليوم الأول من الصيام وتدوم طوال الشهر بدون أي محاولة الاقتصاد في الإنفاق وترشيد المشتريات، فالرجل لا يهنأ له بال إذا لم تكن مائدة رمضان حافلة بأنواع المأكولات والمشروبات ، ويبالغون في طلب أصناف مكلفة من الطعام ثم لا يتذوقونها.

بينما تتمنى المرأة وهي صائمة لو أن يتم الاكتفاء بوجبة أساسية تقوم بإعدادها إلى جانب الشوربة وطبق سلطة الخضروات، ولكنها مضطرة إلى تقديم كل ما يسعد أسرتها على مائدة الإفطار حتى لو استغرق منها الكثير من الوقت وكلفها الجهد والتعب، فهي بالأساس زوجة لا تستطيع أن ترفض طلبا لزوجها، وهي أم تحرص على إرضاء رغبات أولادها خاصة في طهي أصناف معينة يفضلونها من الطعام.

الرجال لا يتنازلون عن التأمين الوافر والكامل لاحتياجات المنزل في رمضان بالإسراع في تخزين كميات كبيرة من الأطعمة المتنوعة بأكثر من المعتاد بحجة التحضير الجيد، والاستعداد لدعوة الأهل والأصدقاء إلى ولائم الإفطار والقيام بواجب الضيافة على أكمل وجه، وآخرون لا يتراجعون عن شراء كل ما يلزم لإعداد أنواع كثيرة فاخرة، متميزة ومتعددة من الطعام لأنه غير مستعد أن يحرم نفسه وأسرته منها في هذا الشهر الفضيل.

ورغم ذلك، نسمع ان الرجال يلقون باللوم على المرأة لأنها حسبهم المسؤولة عن ميزانية البيت في رمضان وباقي شهور السنة، والمرأة بيدها الأمر بحكم أنها سيدة البيت، وتملك إمكانية تعويد زوجها وأولادها على نمط معين من عادات الشراء وأصناف معينة من الأطعمة سواء في رمضان أو غيره، وأن دور الرجل أن يقوم بمهمة إحضار قائمة الطلبات دون نقصان حتى لو اكتشف أنها كثيرة وأكبر من الحاجة إليها، فليس له أن يعترض أو يحتج لأنه لا يعلم مقدما طبيعة الأصناف التي سيجري إعدادها، ولأن الجميع يعلم بالظروف الاستثنائية في شهر رمضان وبطبيعة المناسبات والولائم المتعلقة به، لذا فإن موقفه ضعيف جدا أمام طلبات زوجته ورغبات أولاده.

الغريب أن نجد بعض الأسر لا ترى في اختلاف الميزانية وارتفاعها في شهر واحد في السنة أي مشكلة، والمهم هو الشعور بالسعادة وبهجة التواصل الأسري والتقارب العائلي والاستمتاع بحميمية اللقاء حول موائد الإفطار الجماعية الحافلة بالوجبات الشهية حتى ولو لم تمد اليد إلى بعضها، ولا يمثل مبلغ التكلفة المالية أي انشغال أو شعور بالذنب لدى هذه الأسرة بقدر ما يشغلها مشكلة التخلص من كميات الطعام الباقية بعد الإفطار.

بعض الآراء المعتدلة من سيدات المنازل تحمّل مسؤولية الإسراف للنساء ويؤكدن أن المرأة هي المتسببة في الأزمة المالية في المنزل بسبب إسرافها وعشقها الأزلي في إنفاق النقود الذي يتضاعف في رمضان ويتجاوز مجرد شراء الطعام والشراب.

فمن النساء من دأبت منذ سنين، على أن يكون شهر رمضان مناسبة تستدعي إجراء تغييرات كبيرة خارج المنزل وفي ديكوراته الداخلية، وتجديد الأفرشة وشراء أدوات المطبخ وأواني الطعام الجديدة الفاخرة التي تليق بلزوم الضيافة الرمضانية.

أحدثت سلسلة الزيادات الكبيرة المتتابعة في أسعار المواد الغذائية وغلاء المعيشة بسبب الظروف الدولية الطارئة حالة من الاستنفار في أوساط الأسر والعائلات لتدبير الأموال الضرورية لقضاء شهر رمضان بالشكل الذي جرت عليه العادة، والاتجاه السائد حاليا هو أن على الرجل والمرأة أن يتفقا على إعلان حالة الطوارئ في بيتهما لضبط المصاريف في شهر رمضان المبارك هذا العام بالخصوص، وأن يعملا معا على تخفيض النفقات في حدود المستطاع والتخلي عن المصاريف غير الأساسية.

فالظواهر الاجتماعية ما زالت تؤكد أن الإسراف يزداد والتبذير ينمو بشكل غير معقول نحو المزيد من الترف والمظهرية في الإنفاق، بعيدًا عن الضوابط الشرعية للإنفاق والاستهلاك.

ولتحقيق التوازن بين الكسب والإنفاق بما لا يؤثر على ميزانية الأسرة، يجب تعميق الوعي بأن الإسراف مفسدة للمال والنفس والمجتمع.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: رمضان ومتعة الصبر على العبادة