صبحة بغورة تكتب: إرادة الإنسان بين الواقع والأحلام

قمة السعادة هي في النجاح، والنجاح هو نتاج أسلوب تربية قد أحدث أثره العميق في النفس بعدما ترك فيها أفكارًا وغرس مبادئ ورسخ قيما وأنضج مفاهيم شكلت في مجموعها ملامح شخصية مبرمجة تعتقد وتتصرف وتتعامل مع محيطها بطريقة معينة تختلف من شخص لآخر، وتكمن العبرة فيما قد اكتسبه الشخص من مؤهلات تمكنه من الحصول على ما يريد في الحياة.

يثبت حق الإنسان في حرية تصرفاته عندما يتم امتلاك إرادته، وما سوف توجه إليه إرادته يعني تجسيد ما انصرف إليه اختياره، وتتحدد نوعية اختيارات الفرد تبعا لمدى تأثير أسلوب تربيته على نفسه وعلى سلوكه.

ويلعب العقل الرشيد دور المسيطر على الأحلام المتوهجة حيث يحولها إلى واقع، وهو بذلك يعيد برمجة النفس لكسب الثقة بالنفس وضبط إيقاع الإيجابيات في الحياة، وعليه تبدو حاجتنا إلى أن نبرمج أنفسنا بشكل إيجابي لكي نكون ناجحين سعداء نحيا حياة طيبة نحقق فيها أهدافنا والكثير من أحلامنا.

تتطلب إعادة البرمجة وجود قناعة مسبقة بأننا بصدد تحويل برمجة سلبية بكل ما تحمله من سيئات، وأن يقرر كل فرد أنه يريد فعلا التغيير، وأن يعيد ويكرر الأقوال والأفعال التي يريد أن يجعلها جزء من حياته.

وأول طريقة من طرق البرمجة، هي تحدث المرء مع ذاته على سبيل مؤاخذة النفس على ما صدر من أفعال أو أقوال ما كان ينبغي أن تصدر عنه، أو التقليل من شأن نفسه بإثارة الشك في مقدرته على مواجهة الناس مباشرة، وعلى إثبات موقفه من قضية ما، وهو ما يعني افتقاده للشجاعة الأدبية.

إن مثل كل تلك الأحاديث مع النفس والذات تخلق البرمجة السلبية وتؤدي في النهاية إلى أفعال وخيمة على صاحبها، ولكن بالاستطاعة في كل لحظة تغيير حاضرنا بتعديل ما سبق في ماضينا لإعادة برمجة مستقبلنا، والسبيل هو مراقبة النداءات الداخلية والانتباه إلى ما نحدث بها أنفسنا، بمراقبة الأفكار لأنها ببساطة هي التي ستتحول إلى أفعال، ومراقبة الأفعال لأنها ستصير عادات، ومراقبة العادات لأنها ستصبح طباع، ومراقبة الطباع لأنها ستحدد المصير.

الحقيقة العلمية تؤكد أن العقل الباطن للإنسان لا يعقل الأشياء مثل العقل الواعي، لأنه يخزن فقط المعلومات ويقوم بتكرارها أو استحضارها فيما بعد، وطبيعي إذن أن تترسخ المفاهيم الخاطئة والتصورات السيئة والمعلومات المغلوطة والرسائل السلبية، وتستقر في مستوى عميق في العقل الباطن إذا ما جرى ترديدها مرارًا، وعليها تتشكل البرمجة السلبية بعدم الاستطاعة مثلا والخجل والمزاج العصبي.

أيضًا، من الحقائق العلمية الأخرى، أن للعقل تصرفات غريبة لابد من الانتباه لها، فلو طلبنا مثلا من أحدهم عدم التفكير في حصان أبيض، فهل يمكنه فعلا أن يقوم بذلك، ويمنع عقله من التفكير في شكل الحصان الأبيض، بالطبع لا فهو غالبا قام بالتفكير في شكل الحصان لأن عقله قام بإلغاء كلمة "لا" واحتفظ بباقي العبارة.

يؤكد خبراء برمجة الذات، أن قواعد برمجة العقل الباطن تبدأ من أن تكون الرسالة واضحة ومحددة وإيجابية وأن تدل على الوقت الحاضر، وان يصاحبها إحساس قوي بمضمونها حتى يقبلها العقل الباطن ويبرمجها.

ومن الضروري تكرار الرسالة عدة مرات على النفس إلى أن تتبرمج تماما، ثم ترديدها بصوت مسموع مع عدم الاستسلام لأي توتر داخلي، ولابد أن يحذر الفرد فيما بعد من ما يقوله لنفسه وللآخرين، وبنفس القدر يحذر من ما يقوله له الآخرون بأن يلغي أي رسالة سلبية واستبدالها برسالة إيجابية يملؤها الإحساس بالقوة والقدرة الذاتية على الاستطاعة بعمل ما يريد بمجرد أن يحدد ماذا يريد بالضبط وأن يتحرك فعلا في نفس الاتجاه.

وعلى الفرد أن يثق فيما يقول وأن يتأكد أنه سيد في عقله وعلى عقله، وأنه يتحكم في حياته ويستطيع تحويلها إلى تجربة من النجاح والسعادة ، وأن بإرادته أن يعيش أسير الأحلام أو إنسانا فاعلا في الواقع.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: اللباقة.. قيمة سلوكية أم ضرورة اجتماعية؟