صبحة بغورة تكتب: أسئلة الأطفال الجنسية.. كيف نتعامل معها؟

يبدأ الطفل بمجرد تعلمه الكلام وبعدما يتم له كامل الاستئناس إلى محيطه الأسري القريب في توجيه أسئلة لوالديه غالبًا ما تعكس فضوله المتأصل فيه للتعرف على ماهية طبيعة الأشياء، وتؤكد حب المعرفة الفطري لديه لكشف ما خفي من شؤون الحياة واندفاعه نحو الميل إلى الاستطلاع المتنامي في داخله لكشف حقائق الوجود وأسرار الكائنات.

وكل هذا من باب العلم بالشيء، وهو أمر طبيعي بل ومرغوب وينبغي التعامل معه باحترام لتشجيعه على اكتساب مهارة البحث التي هي أساس تقدم الأمم، وكلما كان ذلك في سن مبكرة من عمره كان مؤشرًا على تطور ذكائه وتوقد ذهنه.

ومع استمرار الطفل بالنمو تتغير دوافعه من وراء توجيه الأسئلة؛ إذ يتولد لديه من منطلق أن الإنسان كائن اجتماعي الميل للاتصال بالآخرين والتفاعل معهم وهذا يقتضي أن يمارس الكلام ليطلب ما يريد ويحصل على ما يشاء، على أن الأمر ليس دائما بهذه الصورة الوردية.

بعض الأطفال يرى أن كثرة ما يوجهه من أسئلة وسيلة فقط لجذب الانتباه إليه، أو أن تكون سبيلًا لحصول الاطمئنان في نفسه، وقد تكون حيلة لإحداث نوع من الإزعاج تعبيرًا منه عن حالة من الإحباط أو الاعتراض أو كراهيته لشيء ما، وكثير ما تبدأ أسئلته بـ لماذا؟ وكيف؟، وهو بذلك ينتقل من مرحلة تعلم تسمية الأشياء إلى مرحلة طلب الدراية بالأسباب ، أي أنه يريد تعليلًا لظواهر تحدث حوله ولا يجد لها تفسيرا.

وينبغي التأكيد على أن لكل نوع من أسئلة الطفل دور في تشكيل جملة المفاهيم لديه التي ستشكل فيما بعد طبيعة شخصيته لذلك وجب التنبه إلى ضرورة أن تكون الإجابات عليها بسيطة وعلى قدر ومستوى فهم الطفل لها، وبقدر استيعابه تتحقق الفائدة والمقصود بها تنمية قدرته على التذكر وربط ما يواجهه من موقف آني بمواقف سابقة.

الطفل يتعلم من خلال عيش المواقف وهي التي يمكن تلخيصها في كلمة "الخبرات"، أي جملة المعارف التي اكتسبها والتي تعينه لاحقًا على التعامل مع المواقف المشابهة بدون تكرار الخطأ.

أسئلة الأطفال الجنسية

ولعل من بين الأسئلة التي تصيب كل والدين بالدهشة "أمي، كيف جئت إلى الحياة؟" أو "لماذا أنا مختلف عن أختي؟"، ومبعث الدهشة هي أن الولدين ينظران دومًا إلى أطفالهم أنهم صغارًا مهما كبروا، ولكن في الحقيقة الطفل يعي ويفكر، يتساءل كثيرًا ويحتاج لإجابة واضحة من أبويه ترضيه، وهو إن لم يجد الجواب الشافي منهما فسيبحث عنه في مكان أو مصدر آخر قد يقدمه له مشوهًا أو مضللًا، وقد يكون مغلفًا بالسخرية والإثارة الماكرة.

وسنبقى كمجتمع نراوح مكاننا في التعتيم على مثل هذه الأمور الحياتية الأساسية عنه، ونتحاشى الإجابة، وصرف انتباههم قدر الإمكان عنه بتلهيتهم في أمور أخرى كشكل من أشكال التهرب، والحقيقة أن موضوع التوعية الجنسية مهما كان حرجًا لابد أن يستند إلى تربية جنسية صحيحة تضمن دخوله عالم المراهقة الحائرة وعبورها بسلام، وأهميتها بالنسبة إليه لا تقل عن أهمية تنمية الجوانب الأخرى في شخصيته.

هنا، يأتي دور الوالدين والمدرسة بتقديم المعلومات الصحيحة بما يناسب مرحلته العمرية مع إبداء التقبل الدائم لكل التساؤلات والتشجيع المستمر عليها، ولكن دون التطوع مبكرًا وبغير مناسبة لتقديمها وشرحها دون اللجوء إلى ثقافة الخوف، أي خلق ظروف التخويف بدعوى العيب والحرام لتكميم الأفواه، فالخوف لا يؤدي إلى أي نتيجة، بل على العكس فإظهار العاطفة ضرورة على كل والدين تجاه الأبناء، والموضوع يتعلق بتزكية النفس منذ الميلاد وليس عند البلوغ فقط ويبدأ من داخل المنزل بالتفريق بين الأبناء في المضاجع، فالاحتكاك الجسدي بين الأبناء أثناء النوم سيولد لديهم نوعا من التلذذ الذي لا يفهمونه ولكن يشعرون به فيرغبون إن لم يدركوا حقيقته في تكراره دون وعي بخطورته.

المراقبة والألعاب المفضلة

وما على الوالدين سوى الانتباه إلى ضرورة ممارسة نوع من المراقبة التي قد تمتد إلى التشدد في معرفة سر اختفاء الأبناء فجأة ودون استئذان ثم الغياب لفترة طويلة عن أعين الوالدين داخل الحمام مثلا أو داخل حجراتهم كذلك، وخاصة خارج المنزل ومعرفة أصدقائهم، وملاحظة ظاهرة استغراقهم في أحلام اليقظة كثيرًا مع فقدان الشهية للطعام، على أن لا يخل ذلك بمقتضيات التعامل الرشيد مع الحماس الطفولي الباهر والحب الطفولي الساذج والكلام الطفولي الممزوج بأحلام المراهقة.

وإن ما يدفع على الاطمئنان على الأبناء إلى حد ما هو التحاقهم بإحدى الأندية لممارسة الألعاب الرياضية المفضلة لديهم بشكل منتظم، فهي الوسيلة الفضلى لتفريغ فائض الطاقة الهائلة لدى الأطفال، وصرف تفكيرهم إلى الألعاب التي تشغل قدراتهم العقلية والبدنية في إطار المنافسات الرياضية المحببة لديهم والمتدرجة في شدتها وحمولتها مع التقدم في السن، وستؤدي الممارسة الدورية والمنتظمة للرياضة إلى نتائج مذهلة؛ حيث سترتفع قدراتهم على التركيز والتحصيل الدراسي، وسيكتسبون مهارة التنظيم في العمل والتفكير والإحساس بقوة الذات والشعور العميق بالثقة في النفس وانشراح الصدر وبالرضا .

الأكيد إن بناء جسور الصداقة والصدق والحوار بين الآباء والأطفال منذ صغرهم والاهتمام بأمورهم وإظهار الاستعداد الحسن لرفع كل حرج يشغل بالهم ويصرفهم عن واجباتهم ويضيع وقتهم فيما لا طائل من ورائه سيساعد كثيرًا على عبور كافة المراحل السنية الحرجة بكل سهولة ويسر، أي بدون عقد نفسية أو شذوذ سلوكي أو جنوح عاطفي، وبالتالي يمكن ضمان مساعدتهم لتكوين شخصيتهم السوية وتشكيل أفضل القدرات الذاتية لديهم والتسلح بأحسن الإمكانيات لولوج الحياة الاجتماعية والمهنية بسلاسة وتمكينهم من ثقافة التنافس كمكسب وثقافة وسلوك وفكر لتحقيق الخير لحياتهم والسعادة في عيشهم والنجاح في عملهم.

                                                                                                                                           صبحة بغورة                                                                                 متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: النساء في مواجهة كورونا وعنف الأزواج