«سالباتييرا».. المواجهة بالصمت والرسم

رواية بيدرو مايرال «سالباتييرا»، هي تلك الرواية التي يمكنها أن تسلبك من كل شيء وتستأثر بك كلك، ولا غرو في هذا ولا عجب؛ إذ لم يخيب معظم كتاب أمريكا اللاتينية الظن حتى الآن أبدًا.

سرده سلس جدًا، على الرغم من أن حكايته معقدة، تساءلت في البداية كيف سيكمل «مايرال» روايته مع بطل أخرس؟! لكنه أذهلني بتكنيكه السردي الآسر والبديع، طبعًا أنا في غُنية عن القول إن الرجل لم يتكلف شيئًا، ولم يستخدم سوى لغة عذبة رائقة، أسهب في الوصف صحيح، لكنك، من شدة جمال اللغة، تشعر أنك بحاجة لكي ترجوه أن يستمر أكثر في وصفه.

المواجهة بالصمت!

الحكاية أن «سالباتييرا» هذا سقط، وهو في التاسعة من عمره، من على ظهر حصان، فأصابه الخرس، أنا أشك في ذلك؛ فبعد أن تصل إلى نهاية الرواية ربما تتصور مثلي أن هذا الرجل لجأ إلى الخرس طواعية، أي اختار الخرس الإرادي، أن يسكت من تلقاء ذاته، هل هناك ما يستحق الكلام حقًا؟!

لكن لا تظنه رجلًا خاملًا، بل إنه، وبصمته الممتد لأكثر من سبعين عامًا، فعل ما لم يستطعه المهذارون الثرثارون.

الصمت هو الأساس يا سادة، في البدء كان الصمت ثم تكوثر حوله الكلام.

المهم أن هذا الرجل قرر أن يعيش في الرسم، الحياة عنده كانت مختزلة في الرسم: «كان سعيدًا برسم حياته، لم يكن في حاجة لأن يظهرها، كان عيش الحياة عنده يعني رسمها».

كان يدون يومياته بالفرشاة، يسجل كل شيء على اللوحات، واللافت أنه لم يرد ليوماته انقطاعًا، فكل عمله كان عبارة عن لوحة طولها 4 كيلومترات.

والأمر المثير هنا أنه كان نزيهًا جدًا في تدوين يومياته، ولم يكن على غرار أولئك الذين ما أن تُتاح لهم الفرصة للحديث عن أنفسهم أو كتابة سيرهم الذاتية حتى يمعنون في الكذب ويفرطون في التدليس، بل سجل، عبر رسوماته، حتى خيانته لزوجته.

والدرس الأبرز في هذه الرواية: اصمت فلا جدوى من الكلام!

اقرأ أيضًا: رقمنة الثقافة في المملكة.. إطلاق الطاقات وإبراز المبدعين