رواية «فتاة الترومبون».. «أنطونيو سكارميتا» الممسوس شعرًا

لئن كان إدواردو ساشيري؛ ذكي السرد،فإن أنطونيو سكارميتا يضاهيه في هذه الرواية (فتاة الترومبون) إن لم يكن يفوقه؛ وإنك لتلمس ذكاء سرده منذ افتتاحية الرواية.

هنا في روايته «فتاة الترومبون»، كما هو الحال في «ساعي بريد نيرودا» لا يني «أنطونيو سكارميتا» يفصح عن نفسه كشاعر ضل طريقه إلى السرد؛ فالرجل لم يترك مجالًا إلا ليدبّج نصوصه بأشعار أو بالحديث عن شعراء ونيرودا على رأس هؤلاء الشعراء طبعًا.

لم يكن الرجل متسلقًا على أكتاف شعراء، وإنما هو يرثي نفسه، يرثي شعره المسفوح على مذبح الرواية.

ومن حسن الطالع أنه يكتب الرواية، فمن سواه كان سيمنحنا هذه المتعة الخام؟!

يقدم لنا سكارميتا في فتاة الترومبون ملحمة غريبة ومدهشة، وكما عادته، لا يسير في خيط سردي واحد، وإنما يتفرع كثيرًا، ويراوغك أيها القارئ كثيرًا أيضًا؛ ولا غرو في هذا، فالرجل لديه الكثير مما يمكن أن يُقال.

تسرد رواية «فتاة الترومبون» حكاية تلك الفتاة «مجدلينا» سابقًا أو «آليا إيمار كوبيتا» لاحقًا، مذ كانت طفلة حملها عازف الترومبون عابرًا بها المحيط إلى الجد «استيبان كوبيتا‌» في الجهة الأخرى من العالم، في تشيلي.

«آليا إيمار كوبيتا.. منبوذة البحر المحيط، بلا أبوين، ولا أرض، ولا ذكريات»

ولأن سكارميتا روائي منصف، فلا يعطي لهذه الفتاة دفة السرد وحيدة، وإنما يمنح كثيرين معها الحق في السرد _ أليس الحق في السرد هو حق في الحق ذاته؟!_ وعلى رأسهم ذاك الصحفي «روكي بافولفيتش» الشاهد على الحكاية برمتها.

تتولى مجدلينا/ آليا إيمار كوبيتا، دفة السرد لبرهة من الرواية حتى تسلمها إلى روكي بابلوفيتش الصحفي الذي لعب دورًا في الشطر الأول من هذه الرواية عرس الشاعر (الذي لم يتزوج أصلًا) وتزوجت حبيبته رجلًا آخر، واغتصبت اغتصابًا مريرًا.

وطبعًا هناك شيء سيء في الحديث عن الأعمال الفنية/ الأدبية العظيمة وهو عدم قدرتنا على التعبير عنها، ولكنه نوع من الصفاقة تدعوني لأكتب شيئًا يذكّرني فيما بعد أني عشت مع هذا الرجل وأعماله فترة ما من حياتي.

اقرأ أيضًا: «نيرفانا».. إتقان بلا تقنيات