رقمنة الثقافة في المملكة.. إطلاق الطاقات وإبراز المبدعين

نشرت وزارة الثقافة، مؤخًرًا، النسخة الكاملة من تقرير "الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2020م: رقمنة الثقافة" عبر موقعها الرسمي.

ويشير التقرير، كما هو واضح في العنوان الفرعي «رقمنة الثقافة» إلى ذاك التحول البنيوي الجديد الذي يشهده المجال الثقافي في المملكة؛ إذ لم يعد الأمر قاصرًا على مباشرة الفعل الثقافي بالطرق والآليات التقليدية وإنما أمسينا إزاء تحول جديد وهو التحول صوب الرقمنة أو ما يمكن تسميته «فرضنة الفعل الثقافي»، أي تغليب النمط الافتراضي على العمل الثقافي بشكل عام.

والحق أن لوباء كورونا دور في هذا التحول صوب الرقمنة، لكنه دور يقتصر على التسريع فحسب، فليس يخفى على أحد أن المملكة تولي مسألة التحول الرقمي _ في شتى المجالات والقطاعات _ اهتمامًا كبيرًا، ومن ثم ليس بمستغرب أن يطال هذا التحول المجال الثقافي.

التقنية والتمكين الثقافي

وفي هذا السياق، قالت نوال الشافعي؛ باحثة دكتوراه في إعلان اليونسكو العالمي للتنوع الثقافي، في حديث حصري لمجلة «الجوهرة»، إن الحديث عن رقمنة الثقافة يجب أن يأتي من خلال ما نصت عليه المادة (6) من إعلان اليونسكو العالمي للتنوع الثقافي والتي تحمل عنوان: (نحو تنوع ثقافي متاح للجميع)؛ حيث أشارت إلى كفالة التداول الحر للأفكار عن طريق الكلمة والصورة؛ بهدف تمكين جميع الثقافات من التعبير عن نفسها والتعريف بنفسها، ذلك أن حرية التعبير، وتعددية وسائل الإعلام، والتعددية اللغوية، والمساواة في فرص الوصول إلى أشكال التعبير الفني والمعارف العلمية والتكنولوجية، بما في ذلك المعارف في صورتها الرقمية وإتاحة الفرصة لجميع الثقافات في أن تكون حاضرة في وسائل التعبير والنشر، هي كلها ضمانات للتنوع الثقافي.

وأضافت أن أهمية رقمنة الثقافة تأتي من خلال تكنولوجيات الرقمنة التي تعمل على تمكين جميع الثقافات من نقل جميع أرصدتها الثقافية والتراثية على وسيط إلكتروني بحيث يساعد الباحث في الاطلاع على المحتوى دون الحاجة لرؤيتها مباشرة.

وأشارت إلى أن الاعتراف بالتنوع الثقافي بوصفه تراثًا مشتركًا للإنسانية دفع المنظمات والمؤسسات والجهات المسؤولة في الشأن الثقافي إلى الاهتمام بهذه الثروة؛ عبر حفظها وتثمينها من جهة، وتسهيل وصول الباحثين إليها؛ من خلال توظيف التكنولوجيات الحديثة في الرقمنة والإنترنت من جهة أخرى.

واستطردت: وفي ذات السياق، نشرت وزارة الثقافة السعودية تقرير عن "الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2020م"، مبرزة فيها "رقمنة الثقافة" عنوانًا فرعيًا للتقرير، استعرضت من خلاله التحوّلات الرقمية التي طالت القطاع الثقافي والتي انعكست على طبيعة الأنشطة والفعاليات التي قدمها الأفراد والمؤسسات الثقافية السعودية خلال عام 2020م.

وتابعت: وبعيدًا عن محنة جائحة كورنا التي كانت سببًا رئيسًا في إلغاء العديد من الأنشطة الثقافية التي تتطلب العمل الميداني، إلا أن جهود العاملين بوزارة الثقافة السعودية وعلى رأسهم سمو وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، حولت محنة جائحة كورونا إلى منحة وذلك من خلال العمل على "رقمنة الثقافة".

وذكرت أن أهمية "رقمنة الثقافة السعودية " تأتي من أجل الحفاظ على التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي، والتراث الطبيعي باعتباره مصدرًا لإثراء الثقافة الإنسانية، ومن أجل منح فرص الوصول إليه بسهولة من كل مناطق العالم عبر الانترنت من ناحية، والتعريف به وبثقافة المملكة العربية السعودية وتراثها وهويتها من جهة ثانية، وهو ما يبين أهمية وسائل الاتصال في الحفاظ على تراث الأمم ونقله ونشره.

وتابعت: أشار التقرير إلى أهمية رقمنة الثقافة في حفظ وأرشفة التراث الثقافي؛ إذ إنها لا توفر حماية له من الضياع فحسب، بل توسع نطاق إتاحة عناصر التراث في نسخ رقمية منها، كما تتيح إمكانية الاستفادة منها في العمل الثقافي الإبداعي، بالإضافة إلى نشرها وتسويقها عبر المنصات الإلكترونية، شمل ذلك جميع أنواع التراث: المادي، وغير المادي، والطبيعي.

ومن جانبها، رأت الفنانة التشكيلية السعودية مريم الشملاوي، في حديث خاص لمجلة «الجوهرة»، أننا نلحظ هذه الأيام سيطرة نمط ثقافي جديد هو الثقافة الرقمية، والتي تمثلت بتحولات رقمية كبيرة طالت القطاع الثقافي وأثرت فيه، كما أن هذه التحولات الرقمية فتحت أبواب ثقافة عصر جديد سواء أمام المتلقي أو المبدع.

وأضافت أن الثورة المعلوماتية نجحت في إشاعة نمط التثقيف العام؛ حيث يستطيع المتلقي اليوم استقبال المعلومة مباشرة؛ من خلال مواقع التواصل والمواقع الإلكترونية دون قيود، كما يتيح للمبدع نشر نتاجه الثقافي وإبداعاته؛ عبر منصات التكنولوجيا، والوصول السريع للفئة المهتمة بنتاجه الإبداعي.

واستطردت: ويبدو جليًا للجميع أنه في ظل الحالة الاستثنائية التي فرضتها الجائحة كانت الرقمنة الثقافية هي السمة البارزة خلال عامي ٢٠٢٠ -٢٠٢١ مما انعكس على طبيعة الأنشطة والفعاليات التي تم تقديمها منذ بداية الجائحة سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات الثقافية السعودية.

وبسؤالها عن تأثير الرقمنة على الفعل الثقافي، أكدت أنها كانت ذات تأثير إيجابي بالغ على الوضع الثقافي ككل؛ إذ إننا اليوم كمبدعين ننعم بسهولة نشر أعمالنا وإيصالها للمتلقي واختراق كل الحدود؛ مما أسهم في إشاعة نمط التثقيف العام، كما فتحت الرقمنة آفاقًا متنوعة لطرق التعبير الثقافي؛ مما أدى إلى إطلاق الطاقات الإبداعية وإبراز المبدعين.

واستدركت قائلة: إلا أن هذا التحول يستدعي من المتلقي ومنظم الفعل الثقافي غربلة المحتوى والنظر في مدى العمق الثقافي للمحتوى المطروح أو مدى سطحيته، وهل يستحق الخروج للنور أم أنه دون المستوى الثقافي المطلوب؟.

وتابعت: إتاحة الفرصة للنشر الثقافي بدون قيود، قد تؤدي إلى تسطيح الثقافة، ونشر الألقاب الثقافية والفعاليات الافتراضية التي تضر بالمشهد الثقافي، مما يعني أننا بحاجة الآن في ظل هذا التحول الرقمي إلى تنظيم خطواتنا الانتقالية ودراستها متجهين نحو مستقبل ثقافي يقدر الإبداع والمبدعين.

ورأت أننا اليوم أمام عصر ثقافي آخر، وتحول بنيوي جديد على صعيد الفعل الثقافي ساهمت الجائحة في تسريع وتيرة انغماسنا فيه وتقبلنا له، بل واقتناعنا بمواكبته كونه طريق لخدمة الثقافة وحفظًا للمعلومات والتراث الثقافي، والحقوق الفكرية للمبدعين.

اقرأ أيضًا: حوار| مصممة الأزياء أروى العماري: رؤية السعودية 2030 أحدثت نهضة ثقافية غير مسبوقة