دكتورة رانيا يحيى تكتب: دور الإعلام المهني في بناء الأوطان

للإعلام دور كبير في توعية الرأي العام في الكثير من مناحي الحياة، بأدواته المختلفة: المقروءة والمسموعة والمرئية ومنصات التواصل الاجتماعي، كما يلعب دورًا مهمًا في بعض القضايا المجتمعية ويوجهها بحيث تأخذ شكلًا هيكليًا معينًا، وقد يؤثر بشكل أو بآخر في القضايا المطروحة أمام قضاة التحقيق؛ وذلك لما للرأي العام من قوة ونفوذ، خاصةً في حالة استخدام الإعلام الموجه لتحديد موضوع ما أو قضية ما لعرضها وطرحها بشكل معين على المجتمع.

ويساهم الإعلام كذلك في تثقيف المجتمعات، فهو بمثابة نافذة المجتمع على غيره من المجتمعات والثقافات المختلفة والتي من خلالها قد يستطيع أن يحكم على نفسه بمدى تقدمه أو تخلفه، خاصة بعد الانفتاح الإعلامي الواسع وبث الأقمار الصناعية والتي ساعدت في سرعة وتبسيط الرسالة الإعلامية من مكان إلى آخر بمنتهى اليسر واعتبار العالم كله قرية صغيرة من خلال تلك الفضائيات.

وتُعد الرسالة الإعلامية رسالة إبداعية هادفة واعية ذات مبادئ وأخلاقيات تفرضها على جميع المشتغلين في هذا النطاق الإعلامي، سواء في الصحافة أو الإذاعة أو التليفزيون أو حتى السوشيال ميديا.

[caption id="attachment_59790" align="alignnone" width="1184"]موسيقى الأعياد د. رانيا يحيى[/caption]

ولكن ما قد يلحق الضرر بنا كعاملين ومشتغلين بهذا المجال أو حتى كجمهور متلقي أن تبتعد المؤسسات الإعلامية المختلفة بمسارها عن الحيادية والشفافية؛ لتحقيق مكاسب مادية سريعة أو للانحياز بشكل مباشر أو غير مباشر لاتجاه أو موضوع معين؛ بحيث يسيطر هذا الرأي على الرجل البسيط في الشارع والذي ربما لا يستطيع أن يصل للحقيقة بنفسه أو حتى لا يملك القدرة على عقد المقارنات بين القنوات الإذاعية أو الفضائية أو الصحف التي تبتعد عن الموضوعية وبين الإعلام الذى يطرح قضاياه بموضوعية ويترك الحكم والفيصل للمشاهد أو القارئ.

اقرأ أيضًا.. د. رانيا يحيى تكتب: في بدايات الأفلام الناطقة.. السينما تغني

ولا بد أن يتصف كل من يعمل في المجال الإعلامي بالنزاهة والمهنية، وأن يحكم العاملين ميثاق شرف إعلامي؛ حتى لا يصبح الأمر كما نحن عليه الآن من انتشار للصحف والبث اليومي للقنوات الفضائية والتي تحمل الكثير من التحيز وتوجيه الرأي العام لاتجاه على حساب الآخر؛ لتحقيق مكاسب شخصية أو مسايرة الاتجاه الموجود بالفعل على الساحة دون قناعة ذاتية أو مصداقية مع النفس والجمهور؛ حيث يصبح العمل الإعلامي مليئًا بالكثير ممن تربطهم مصالح خاصة أو أجندات خارجية؛ ما يكون له أثر سلبي في المجتمع ككل.

لذا؛ يجب على العاملين بالإعلام بكل صوره المختلفة أن يُنحوا جانبًا آرائهم وقناعاتهم الشخصية ويتسمون بالمهنية؛ بحيث لا تتجلى سوى الحيادية والموضوعية تجاه أي من الأطروحات الموجودة على الساحة.

وفي الوقت الحالي نعاني الكثير من السلبيات في المجال الإعلامي؛ من خلال التشويش وإحداث البلبلة في ذهن المتلقي وعدم توافر المهنية والمصداقية من هؤلاء المشتغلين بهذا المجال، في ظل وجود عدد كبير من الأميين والوسيلة المعرفية الوحيدة لهم في الحياة هي وسائل الإعلام.

والإعلامي المهني هو من يطرح موضوعاته دون تحيز لمعتقداته وأفكاره التي قد تؤثر في الكثيرين؛ لذلك علينا الآن تفعيل القوانين التي لا تحيد بنا عن المسارات المشروعة، وأن يخضع كل من يتخذ من منبره ما يشبه الأحكام القضائية ويعرض الشائعات والمغالطات على الملأ للمساءلة القانونية التي تكفل لكل ذي حق حقه؛ حتى نستطيع أن نصل بالرسالة الإعلامية إلى الغاية المرجوة.

وإن كنا ننادي بحرية الرأي والإبداع من خلال الكلمة في المجالات الإعلامية المختلفة، فأين أمانة تلك الكلمة التي قد تودي بحياة آخرين أو قد تشوه صورتهم أو تلحق الضرر النفسي بهم وبأسرهم، وهو ما يتنافى مع الرسالة الإعلامية الهادفة ومع مبادئنا وقيمنا الرفيعة التي عشنا بها، كما يتنافى أيضًا مع أصولنا الدينية السمحة، فيجب إصدار قوانين تشريعية تعمل على ضبط الكلمة وليس محاربتها، قوانين تستأصل الإعلام المحرض، إعلام الخيانة والإثارة، والذي يُعد المتسبب الأول في إحداث الفتنة داخل مجتمعاتنا.

ولا تقتصر سلبيات الإعلام على بعض مقدمي برامج الـ "توك شو" بل تمتد كذلك لمشاهد المسلسلات والأفلام التي تحوي بعض الألفاظ النابية والخادشة للحياء والمثيرة للاستفزاز أحيانًا، وفي ظل كل هذا، لا نستطيع أن نُعمم، فهناك من يتمتعون بالمهنية والمصداقية ولكنهم يتيهون وسط هذا التخبط الإعلامي الشديد، فللأسف الحسنة تخص والسيئة تعم.

د. رانيا يحيى رئيس قسم فلسفة الفن بأكادميية الفنون

اقرأ أيضًا.. الراحة الذهنية.. معاهدة سلام مع الحياة