كنت أهجس منذ البداية أن إبراهيم جاد الله؛ بطل رواية «دفاتر الوراق» لمؤلفها الأردني جلال برجس، والتي حصلت على جائزة البوكر هذا العام، سيقتل، سيلطخ نفسه بالدم، واحتمالية قتله هذه هي أكثر ما أرعبني في الرواية كلها.
وقد كان «إبراهيم جاد الله» خائفًا من أن يتلطخ، ذات يوم، بالدم، والحق أنه حاول أن يقتل نفسه كي لا ينصاع إلى ذاك الصوت الداخلي الآتي من بطنه آمرًا إياه أن يقتل.
«أحسست بخيوط تلتف حول عنفي وتسحبني إلى ذلك المجهول، إنه نوع غريب من الانصياع يشبه نصيحة قاتل يصوب مسدسه نحو رأسي، وفي الآن ذاته يحدثني من منطقة مشبعة بالشفقة، انصعت له من غير وعي، ثم تنبهت إلى خطورة ذلك».
يعيش سنينًا طوالًا في هذا «الكشك»؛ حيث يبيع الكتب ويلتهمها أيضًا، لا عائلة لديه، الآن على الأقل، فهو رجل وحيد كدب أرمل.
وبين عشية أو ضحاها يؤمر بإزالة الكشك؛ لإقامة بناية مكانه لأحد الأشخاص المتنفذين، ومن هنا تبدأ حكايته مع هذيانه؛ إذ يشعر _ يدعي أنه يرى أيضًا _ أن بطنه تكبر، حتى يمسي كامرأة حامل، ويسمع منها صوتًا يملي عليه أوامر وتعليمات.
صحيح أنه عاند كثيرًا، بل وحاول أن يقتل نفسه هربًا من نفسه ومن هلاوسه، ومن هذا الصوت، لكنه لم يفلح في ذلك، بسبب امرأة سنكتشف فيما بعد أنها كانت زوجة أبيه الذي كان مناضلًا قبل أن يكون وراقًا.
البعد السيكولوجي واضح جدًا في الرواية، الاقتباس عن فرويد وأدلر وتصدير فصول باقتباسات عنهما؛ وهذا حتمي؛ لأننا نتعامل مع نفسية شخص معقد (إبراهيم).
لكن في طبقة أعمق من التناول، قد نجد أن الرواية تشاطئت/ تناصت مع هذه النصوص التي تم الحديث أو ذكرها في السرد. بل إن الحبكة نفسها، من حيث اللف والدوران ثم اجتماع كل الخيوط في عقدة واحدة، قد تعبر عن تناصٍ مع بعض روايات الأدب الأسباني.
ولا نعني أن هذا ذم في الرواية، وإن كان من الأفضل أن يقوم العمل الأدبي بذاته، وأن يؤسس بنفسه مفاهيمه وأدواته.
لكنه كان يقتل لهدف، لغاية رآها هو نبيلة أو على قدر كبير من الوجاهة، إن قتله كان وعظًا، وقد ذكرنا قتله بـ "كيفين سبيسي" في فيلم Se7en؛ إذ كان يقتل من أجل الموعظة فحسب، من أجل محاربة الخطايا السبع القاتلة.
يتحول إبراهيم جاد الله إلى العنف طواعية: «كان عليك أن تقتل مَن تسبب بالذي أنت فيه الآن، ابتداءً بزمن القرية وانتهاءً بزمن المدينة، الذين آذوك كثر، وأصواتهم ما تزال عالقة حتى في شعر أذنيك… لهذا سأقتلهم بطريقة وحشية». الذين آذوه كثر، والذين سيقتلهم كثر كذلك.
اقرأ أيضًا: المملكة تشارك في مهرجان كان السينمائي الدولي بجناح عصري