أكد البروفيسور ممدوح بن سعد الدوسري وهو شخصية أكاديمية بارزة ورائدة في مجال التنمية البشرية وعلم الاجتماع، أهمية معالجة التحديات الناتجة عن التحولات السريعة في البنية الاجتماعية والثقافية، مشيرًا إلى أن علم الاجتماع يمكنه المساعدة في فهم كيف يمكن لهذه التغيرات أن تؤثر على التماسك الاجتماعي والهوية الوطنية.
وكان هذا من أبرز ما أوضحه الدوسري الذي يتمتع بسجل حافل بالإنجازات، وخبرة واسعة في تطوير البرامج التدريبية والتنموية؛ ما جعله مرجعًا مهمًا في هذا المجال على مستوى المنطقة العربية، في الجزء الثاني من حوار “الجوهرة” معه.
وقد استكشفنا في الجزء الأول من حوارنا مع البروفيسور ممدوح بن سعد الدوسري؛ رحلته في عالم علم الاجتماع والتنمية البشرية، وكيف أثرت هذه المجالات في مسيرته المهنية. كما تطرقنا إلى أهمية علم الاجتماع والتنمية البشرية في بناء المجتمعات الحديثة، خاصة في ظل التحولات السريعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية.
وفي هذا الجزء، سنواصل رحلتنا لنستكشف آفاقًا أوسع. سنتحدث عن أولويات المرحلة الحالية، والتحديات التي تواجه منطقتنا العربية، وغيرها من القضايا المجتمعية الهامة..
وإلى نص الجزء الثاني من الحوار مع البروفيسور ممدوح بن سعد الدوسري
ما الأولويات التي يجب التركيز عليها في المرحلة الحالية؟
التحول الاجتماعي والثقافي.. يجب أن تتم معالجة التحديات الناتجة عن التحولات السريعة في البنية الاجتماعية والثقافية؛ مثل التغيرات في نمط الحياة والقيم. علم الاجتماع يمكنه المساعدة في فهم كيف يمكن لهذه التغيرات أن تؤثر على التماسك الاجتماعي والهوية الوطنية.
التوظيف والتعليم.. التركيز على تحليل احتياجات سوق العمل وتأثير التعليم في تحقيق التطابق بين مخرجات التعليم ومتطلبات العمل. هذا يشمل دراسة العوائق التي تحول دون دخول شرائح معينة من السكان إلى سوق العمل مثل النساء والشباب ، ولا ننسى هنا دور التماسك الأسري ليخرج لنا جيل واثق من نفسه ومن قدراته في سوق العمل .
السياسات العمرانية والبيئية.. يمكن لعلم الاجتماع أن يقدم مدخلات قيمة حول كيفية تصميم السياسات العمرانية لتعزيز نوعية الحياة والتوازن البيئي. دراسة الأثر الاجتماعي للمشاريع التنموية وتقييم مدى استدامتها.
الصحة والرفاهية.. فهم التأثيرات الاجتماعية والثقافية على الصحة العامة والرفاهية. علم الاجتماع يمكن أن يساهم في تصميم برامج لتعزيز الصحة النفسية والجسدية وتقليل الفجوات في الرعاية الصحية بين مختلف الشرائح الاجتماعية.
الشمولية والعدالة الاجتماعية.. تعزيز الشمولية وضمان العدالة الاجتماعية من خلال تحليل السياسات لتحديد ومعالجة أي تفاوتات اجتماعية أو اقتصادية.
علم الاجتماع، بفضل أدواته التحليلية ومنهجياته، يقدم الأساس لفهم معمق لهذه القضايا ويساعد صانعي السياسات على تصميم وتنفيذ برامج تنموية تراعي الاحتياجات الفعلية للمجتمع السعودي؛ ما يسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة وتكاملًا.
هل ترى أن هناك تحديات خاصة تواجه التنمية البشرية في المجتمعات العربية؟ وكيف يمكن تجاوز هذه التحديات؟
تواجه التنمية البشرية في المجتمعات العربية تحديات خاصة ناجمة عن عوامل سياسية، اقتصادية، واجتماعية متنوعة. يمكننا تحديد بعض هذه التحديات واقتراح طرق لتجاوزها كما يلي:
التعليم والتدريب.. رغم التقدم الذي تحقق، لا يزال هناك نقص في جودة التعليم والتدريب في كثير من الدول العربية. البرامج التعليمية غالبًا ما تكون غير متوافقة مع متطلبات سوق العمل الحديثة؛ ما يؤدي إلى معدلات عالية من البطالة بين الشباب.
الفجوات الاجتماعية والاقتصادية.. توجد تفاوتات كبيرة بين المناطق الحضرية والريفية وبين الجنسين في الحقوق والفرص، مما يعيق النمو الشامل والمستدام.
الاستقرار السياسي والأمني.. الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار في بعض الدول العربية يعرقلان جهود التنمية ويؤثران سلباً على الاستثمار والنمو الاقتصادي.
ولتجاوز هذه التحديات:
تحديث وتطوير نظم التعليم.. من الضروري تحديث المناهج التعليمية لتعكس الاحتياجات المعاصرة لسوق العمل، مع التركيز بشكل خاص على العلوم والتكنولوجيا والمهارات الرقمية. كما يجب تشجيع التعليم المستمر والتدريب المهني.
الاستثمار في الموارد البشرية.. يجب على الحكومات الاستثمار في البرامج التي تعزز القدرات البشرية، بما في ذلك صحة الأم والطفل، التغذية، والصحة العامة. هذا بالإضافة إلى تعزيز مشاركة المرأة في جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
تعزيز الاستقرار والحوكمة.. يجب تعزيز الحوكمة الرشيدة والشفافية ومكافحة الفساد. كما يتطلب الأمر دعم الاستقرار السياسي والأمني كأساس لتحقيق التنمية المستدامة.
تحفيز الاقتصاد من خلال الابتكار وريادة الأعمال.. تشجيع الابتكار ودعم رواد الأعمال الشباب من خلال توفير التمويل والتدريب وإنشاء حاضنات الأعمال. هذا سيساهم في خلق فرص عمل جديدة ودعم النمو الاقتصادي.
ومن خلال التركيز على هذه الاستراتيجيات، يمكن للمجتمعات العربية تجاوز التحديات الرئيسية التي تواجه التنمية البشرية وبناء مستقبل أكثر إشراقاً لجميع المواطنين.
برأيك.. ما التحولات الاجتماعية الأبرز التي شهدها المجتمع السعودي خلال العقدين الأخيرين؟ وكيف ترى انعكاسها على التنمية البشرية؟
خلال العقدين الأخيرين، شهد المجتمع السعودي تحولات اجتماعية هامة، تعكس تغيرات عميقة في البنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمملكة. هذه التحولات تأتي كجزء من رؤية 2030 التي تهدف إلى إحداث تنويع اقتصادي بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط وتعزيز القطاعات الأخرى مثل السياحة، التكنولوجيا، والترفيه.
واحد من أبرز التحولات هو تعزيز دور المرأة في المجتمع السعودي؛ حيث تم تمكينها من القيادة، العمل في مختلف القطاعات، والمشاركة بفعالية في الحياة العامة والاقتصادية. تم إلغاء نظام ولاية الرجل في بعض المجالات، وتم فتح أبواب التعليم وفرص العمل أمام النساء بشكل أكبر من أي وقت مضى.
التحديث والانفتاح الثقافي.. المملكة شهدت انفتاحًا ثقافيًا ملحوظًا، بما في ذلك توسيع نطاق الفعاليات الترفيهية والثقافية، مثل إقامة الحفلات، المعارض الفنية، وافتتاح دور السينما. هذه الخطوات لا تعكس فقط تغيير في السياسات الثقافية ولكن أيضًا تشجيع لنمط حياة أكثر تنوعًا وغنى.
التغيرات في الهيكل الاجتماعي والتعليم.. توسيع نطاق التعليم وتحديثه ليشمل مهارات جديدة مثل التكنولوجيا والابتكار، مما يعكس الاستعداد لاقتصاد المعرفة. تحسين جودة التعليم والتركيز على البحث العلمي.
هذه التحولات أدت إلى نمو ملموس في البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية وأسهمت في تحسين جودة الحياة في المملكة. التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة أسهم في تعزيز الإنتاجية وخلق بيئة أكثر شمولية. الانفتاح الثقافي والتعليمي أعطى دفعة قوية للابتكار والإبداع، وساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز السياحة.
وبشكل عام، هذه التحولات تعمل على تسريع وتيرة التنمية البشرية في المملكة وتمهد الطريق لمستقبل أكثر ازدهارًا وتقدمًا، يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030.
ما دور الشباب في تحقيق تنمية مستدامة بالمجتمع السعودي؟ وكيف يمكن توجيه طاقاتهم بشكل أمثل؟
دور الشباب في تحقيق التنمية المستدامة في المجتمع السعودي حيوي ومركزي، خصوصًا في ظل الديناميكيات السكانية للمملكة؛ حيث يشكل الشباب نسبة كبيرة من السكان. وإشراكهم وتمكينهم يعتبر من الأولويات لضمان نجاح واستدامة المبادرات التنموية والاقتصادية، وفيما يلي بعض الجوانب الرئيسية لدورهم وكيفية تفعيل طاقاتهم:
دور الشباب في التنمية المستدامة
الابتكار والريادة.. الشباب هم مصدر للأفكار الجديدة والابتكارات التي يمكن أن تحفز التقدم التكنولوجي والاجتماعي. لديهم القدرة على قيادة المشاريع الريادية التي تسهم في الاقتصاد وتعالج المشكلات المجتمعية المختلفة.
المشاركة المدنية والسياسية.. وذلك من خلال تفعيل دور الشباب في الحوارات الوطنية والمشاركة في صنع القرار يعزز من شفافية وفعالية السياسات العامة. تشجيع المشاركة السياسية والمدنية يساهم في تكوين مجتمع أكثر ديمقراطية وشمولية.
التوعية والمسؤولية الاجتماعية.. فالشباب يمكن أن يكونوا سفراء للتغيير الإيجابي، يعززون الوعي حول القضايا البيئية والاجتماعية، ويشجعون المجتمع على اعتماد سلوكيات مستدامة.
تفعيل طاقات الشباب بشكل أمثل كم خحلال التعليم والتدريب المستمر.. توفير فرص تعليمية عالية الجودة وبرامج تدريبية تركز على مهارات المستقبل مثل التكنولوجيا، الابتكار، والقيادة. كذلك، دعم التعليم الذاتي والتعلم مدى الحياة.
كذلك توفير فرص العمل ودعم الريادة.. لأن تشجيع الشباب على إنشاء مشروعاتهم الخاصة من خلال توفير التمويل، التدريب، والموارد اللازمة. كذلك، تحسين سوق العمل ليتسنى لهم العثور على وظائف تتناسب مع مهاراتهم وشغفهم.
وإنشاء منابر تتيح للشباب التعبير عن آرائهم ومشاركة أفكارهم في القضايا العامة. هذا يشمل الحوارات والمؤتمرات والمنتديات على الإنترنت وفي الفضاءات العامة.
برامج الدعم النفسي والاجتماعي.. حيث إن تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للشباب لمساعدتهم على التغلب على التحديات الشخصية والمهنية التي قد تعترض طريقهم.
من خلال تبني هذه الاستراتيجيات، يمكن للمملكة العربية السعودية تحفيز قدرات الشباب واستثمارها بشكل فعال لدفع عجلة التنمية المستدامة وبناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.