دور الأديب تقديم قضايا المجتمع بلغة قريبة إلى الناس الكتاب المسموع احتل مكانة مرموقة تماشيًا مع سرعة العصر الحالي
يتخذ الأدب عند الأديبة والشاعرة السعودية بشائر محمد، طابعًا عمليًا، بمعنى أنها قررت تركيز موضوعاتها السردية على جملة من القضايا الاجتماعية في المقام الأول، ولكنها استطاعت أن تنجو من فخ الانخراط الفج في الحدث الراهن، وإنما أكسبت أدبها، عبر انخراطها في الهم الإنساني العام، نوعًا من الديمومة.
ناهيك عن أن الأدب عند بشائر محمد ليس تشخيصيًا فقط، أي أنه ليس تشخيصًا لأمراض المجتمع وأعطابه عبر العمل الأدبي، وإنما هي تتقدم بأدبها خطوة أخرى إلى الأمام، وتحاول من خلاله أن تقدم علاجًا لما يعانيه المجتمع من مشكلات ومعضلات على شتى الأصعدة.
التقينا الأديبة السعودية في محاولة للاقتراب من تجربتها الأدبية، ومنجزها السردي، وكان لنا معها الحوار التالي..
الأدب السعودي
إلا أن الأديب، من وجهة نظري المتواضعة، يملك فرطًا في الحساسية تجاه الأحداث، وهو ما يجعله يقرأ الحدث قراءة مغايرة للإنسان العادي، قراءة خاصة به تقوده إلى التنبؤ بما يؤول له مستقبلًا، وبما أن هذه النبوءة تغيب عن الناس العاديين، فغالبًا يجد الأديب نفسه في صدام مع من حوله، لأنه ببساطة يسبقهم في المعرفة، والتاريخ مليء بالكثير ممن عارضهم أقوامهم في أمور، ثبتت صحتها لاحقًا.
في عصرنا الحالي، يجب أن يستوعب الأدب الواقع وبسرعة، يغادر صومعته ويرمي بردته فيمشي مع العامة في الطرقات، ويجالس الفقراء والمحرومين، ويواسي التعساء، يجب أن يفكر كالمراهقين ويتفهم ثورتهم، غضبهم، وطموحهم، أن يستعير نظرة اليائسين من الحياة ليعرف كيف يفكرون وماذا يريدون؟ وإلى أي المسالك يمكن أن تأخذهم أفكارهم، يخالط الحاقدين الناقمين الغاضبين.
يستخدم الأدب كأداة لمعرفة كل هذا، بل معالجته أحيانًا، يقول تولستوي «على الإنسان أن يكون رحيمًا لأن الرحمة تجمع بين البشر، وأن يكون أديبًا لأن الأدب يوحد القلوب المتنافرة»، وحتى يخاطب عامة الناس ويوجه إليهم رسائله بوضوح، يجب أن يتخلص من الإبهام والغموض واللغز ويبتعد عن الحذلقة والتشدق، واعتماد اللغة السهلة اليسيرة القريبة من أفهام الناس العاديين.
فأنا لا أنكر ذاتية الأدب البتة، فهي لازمة له، بل إن تولستوي نفسه أثبت أن الأدب يغذي ليس جانبًا روحيًا فحسب، بل إنه يلبي حاجة فطرية لدى الإنسان لا علاقة له بدراسته أو تخصصه، وساق دليلًا على ذلك ما لاحظه من استمتاع الأطفال بالسرد القصصي والحكايات، وهي متعة فطرية.
ما أفعله أنا ليس تنقلًا بالمعنى الذي أردته، فأنا فيهم جميعًا في كل وقت، ففي الوقت الذي يأخذني الشعر فأكتب قصيدة، يعيدني حالما أنتهي على جناح السرد لأكمل رواية تمتد معي لسنوات كتابية، وتاريخنا الأدبي حافل بكثير من الأدباء الذين حلقوا في أكثر من مجال أدبي بنفس الألق والتميز.
وهذا ليس بغريب، وليس بالغريب أيضًا اجتماع الأدب والشعر مع مجالات أبعد ما تكون عنه كالعلوم، وخير مثال على ذلك علماء المسلمين الأوائل؛ ما يعني أن الأدب حياة، ولا يمكنه أن يتعارض مع شيء في حياة الإنسان، من هنا كان الأولى به أن يمارس ما يترتب على هذا الأمر، من مشاركة الناس حياتهم العادية والتعبير عنها.
الأطفال اللقطاء، أيضًا، تقسو عليهم مجتمعاتهم ويدفعون ثمن علاقة غير شرعية لرجل وامرأة لا يعرفونهما، وإذا انفصل الزوجان أو استهتر أحدهما دفع الأبناء الثمن، نحن في الحقيقة لا نستطيع أن ننأى بأنفسنا عن تحمل تبعات بعض الأمور التي لم نقترفها، وعلى كل الأصعدة.
ولا يستطيع شخص واحد أو مجموعة قليلة من الناس مواجهة سلوك جمعي انتهجه الأكثرية، فليس أمام من وقع في هذا الشرك إلا أن يقاوم ببسالة، ولا يستسلم؛ فدائمًا هناك أمل، لا أحد يملك الحق بوضع نقطة النهاية لأحد ما، سوى الإنسان نفسه.
وحدك من يقرر، ووحدك من يصنع البدايات الجديدة.
تكيّف الأدب
بالإضافة إلى أننا بمواجهة جيل وعصر مختلفين عن الجيل والعصر السابق، فمن غير الممكن أن نتجاهل هذا الاختلاف ونتعامل معهم بجمود غاضين الطرف عن مواضع الاختلاف، فنحن بمواجهة جيل لا يقرأ في الغالب، وإذا قرأ، فإنه لن يستطيع التخلص من السمة الغالبة لهذا العصر (السرعة).
وعندما أقول إن هذا الجيل في الغالب لا يقرأ فأنا لا أنفي ثقافته ولا أنكر اطلاعه ووعيه، بل إنني أعني أنه اعتمد موارد أخرى تمده بالمعرفة غير الكتاب وهي كثيرة في وقتنا الحاضر.
لذلك؛ فأنا عندما أكتب كتابًا أو رواية تتألف من 500 صفحة مثلًا أكون استبعدت أغلب الجيل الشاب من حساباتي، وبالتالي من حقهم الإعراض عني وعن كتبي، بل حكمت على كتبي بالبقاء فوق الرفوف البعيدة التي لن تطالها إلا بعض الأيدي المتخصصة، ومن وجهة نظري أن هذا هو أسوأ ما يمكن أن يقوم به الأدب أو الأديب؛ فليست وظيفته تعبئة الرفوف بالكتب التي يستريح فوقها الغبار، على الرغم من أن روايتي الجديدة ستكون بحجم أكبر نوعًا ما حيث فرضت عليّ سطوة السرد أن أتناول بعض التفاصيل المهمة التي يحتاجها العمل.
الأدب النسائي في المملكة
أما الأدب والثقافة في السعودية حاليًا فليسا بمعزل عن التطور والانفتاح الذي جاءت به الرؤية المباركة على يد رائدها سمو الأمير محمد بن سلمان؛ وطال هذا التطور والانفتاح كثيرًا من جوانب الحياة الاجتماعية، والثقافية، والأدبية؛ لذلك فإن الأدب بشكل عام والأدب النسائي تحديدًا يعيش عصرًا ذهبيًا على كل الأصعدة والمستويات من ناحية الشكل والمضمون، وظهرت موضوعات سردية جديدة مثل: الحديث عن تمكين المرأة، وطموحها وإنجازاتها، كما حظي الأدب بالمزيد من الرعاية الأدبية الرسمية للإبداع والمبدعين.
وما عداه فإن سارتر يحمل الأديب المسؤولية عن كل ما يحدث حوله، فيطلب منه أن يدعو للحرية وينبذ الظلم والعنف ويواجه الأنظمة الفاسدة، ويدعو للأخلاق والقيم، منكرًا ذاته في سبيل هذا، إلا أنني أرى أن الأدب شأنه شان كل الفنون ينبغي أن يجمع بين الفائدة والمتعة، كما قال الناقد "رينيه ويلك" في كتابه "نظرية الأدب" إنَّ الأدب يحقق المتعة والفائدة، ولا يجوز أن تطغى إحدى الوظيفتين على الأخرى، بل يجب أن تندمج المتعة والفائدة في العمل الأدبيّ اندماجًا عضويًا.
فللإنسان حاجات جسدية وروحية، والأدب يفي بجزء كبير من احتياجات الإنسان الروحية التي لا يمكن إغفالها، على أن هذا الأمر ينبغي ألا يشغل الأديب عن ممارسة دوره الإنساني في تلمس قضايا مجتمعه، ومن هم حوله والتعبير عنهم.
وبدأ الأدباء في استهداف كل أطياف المجتمع بكتاباتهم ولم يعد مصطلح (النخبة) أو استهداف النخب أمرًا محمودًا لكل الكتّاب والمؤلفين، إن كان الكاتب يهدف إلى إيصال رسالة للمكون الأكبر في المجتمع.