يُقحمنا أنطوان الدويهي؛ عبر روايته «حامل الوردة الأرجوانية»، فجأة ومن دون سابق مقدمات، في معركته السردية وعوالمه الداخلية؛ إذ تبدأ الرواية بسؤاله عن ماهية الإسم الذي ستصبح عليه هذه الأوراق/ الرواية التي كتبها حين كان سجينًا في «حصن الميناء» عند تسليمها إلى رانيا صديقته.
لا يتعلق الأمر هنا بمحاولة إنكار استبداد نظام سياسي، ولا حتى رفع العقيرة ضد الاستبداد ذاته، وإنما هو غرق في العوالم الداخلية، واستغراق تام التأمل الفكري/ الذاتي المحض؛ فنحن أمام بطل يشعر أنه صديق للطيور، وأن مسؤولية حماية الحدائق والطبيعة تقع على عاتقه، ناهيك عن أن شتى تأملاته الأخرى ذاتية حتى النخاع، وإن طالت، بين حين وآخر، موضوعًا عامًا سواءً كان جماليًا أو سياسيًا.
يُنصت إلى البحر، ويشاهد أثر الرعد والبرق، ويعرف أن ثمة ريح تعبث في الأفق.. إلخ، من خلال هاتين الفتحتين الموجودتين في أعلى الحائط في زنزانته الانفرادية، وعلى الرغم من هذه الوحدة التامة إلا أن هذا البطل شعر، بفضل حياته الداخلية الثرية، أنه موجود في مركز العالم، وأنه موصول بكل ما يرغب هو الوصل به.
ليست هذه الفكرة جديدة على أي حال، فقد أشار إليها وأسهب في شرحها «خوان خوسيه ميّاس» عبر شخصية بطل روايته «من الظل».
المهم أن البطل هنا كان يواجه كل شيء بالعزلة والصمت، فلطالما ظل صامتًا، حتى في أكثر المواقف طلبًا للكلام، والصمت سلاح حين لا يجدي الكلام نفعًا؛ فكل شيء في حياة حامل الوردة الأرجوانية (بطل هذه الرواية) مؤقت، يعيش في زنزانة ثم ينتقل إلى أخرى، إنه دائمًا في انتظار أمر ما لا يعلمه، ووجوده مؤقت دائمًا، والخوف يلفه أثناء ذلك كله.
وعلى الرغم أنه كان بعيدًا كل البعد عن كل الأسباب التي قد تؤدي إلى ذلك؛ ومع ذلك كان الخوف يتملكه من فقدان حريته، وقد كانت أمه تقوله له، في طفولته، «ما يخشاه المرء يقع» وبالتالي ليس على المرء أن يخشى شيئًا، لكن هل المخاوف مؤشرات على ما سيحدث لنا مستقبلًا؟ وهل الهواجس إشارات تحذير قادمة من المستقبل؟ ربما؛ فحياة هذا الكاتب الذي زُج به في السجن بسبب مراسلات غرامية بينه وبين صديقته الفرنسية دليل على ذلك.
ما تخشاه يقع، ونهايتك لا علاقة لها بشخصك أو بحياتك، البطل أُعتقل ولم يدر لما؟ إلا بعد ردح طويل من الزمن، ثم اكتشف تفاهة السبب، و«مراد» _ صديق حامل الوردة الأرجوانية _ قتل على الرغم من أنه كان في الظل الأعمق للحياة ولم يكن في أي مسألة خارج ذاته وألحانه ناقة ولا جمل.