«بيدرو بارّامو».. حيث يدور كل شيء على ذاته

على الكاتب أن يُجن أولًا ثم يكتب؛ ماذا يمكن أن يخبرنا كاتب غير مجنون؟!

وخوان رولفو؛ صاحب رائعة «بيدرو بارّامو» كان مجنونًا تمامًا؛ من حيث الفكرة وحتى في طريقة السرد ذاته، وبالطبع لا عيب في هذا ولا غرابة، فـ «في الرواية، كما كان يقول كاميلو خوسيه ثيلا، في فاتحة تقديمه لـ «رحلة إلى القرية»، كل شيء جائز على أن يُروى بمنطق سليم».

ومما لاشك فيه أن منطق خوان رولفو لم يكن شعوذة، أو مجاوزة ما هو معقول، وإنما هو نحت في فن جديد، فالرجل يعمل في منطقة مستقلة عن الزمن، ويحشر القارئ من رأسه في مخابئه وأقبيته المسكونة بالأرواح والمليئة بالفحيح الليلي لأفكار عز على العقل متوسط القدرات إدراكها.

الأفكار التي تكتب مفكريها

الكاتب الحقيقي هو الذي يسلس قياده للكتابة، هو الذي يترك الأفكار أن تكتبه لا يكتب هو الأفكار، وهو الذي يصنع لنفسه جزيرة جديدة من العقلانية بعيدة تمامًا عن كل ما هو مألوف ومعطى سلفًا، خوان رولفو فعل ذلك بالضبط.

بيد أنه، كما خوان خوسيه مياس، يغوص في أمواه عميقة جدًا، ويصل إلى قمم عالية جديدة، يخرّب الواقع، وعن قصد وقناعة، ما جدوى الأدب إن كان محض نسخ للواقع إذًا؟!

إن قرأت هذه الرواية أو رواية «من الظل» لـ «مياس» فمن المرجح ألا يعود عقلك كما كان من قبل، سيتصالح عقلك مع لا معقوله، أحلامه، أوهامه، هذيانه، أو هذا ما حدث معي أنا على الأقل.

كل شيء يدور على ذاته

هذه الرواية مدوّخة جدًا؛ فالحوار فيها يدور على نفسه ويأكل ذاته، كل محاورة تبدو وكأنها جزء منتزع من قصة لم تتم، وفي رأيي أن هذا مقصود.

علاوة على أن الرواية برمتها تبدو وكأنها خُزع من قصص كثيرة، لكن لا تظن أن هذا ذمًا فيها، فكل الأمواه تصب في نهر واحد هو بيدرو بارامو وتنبع منه أيضًا؛ فكل القصص والحكايات الهدف منها الوصول إليه؛ ولا غرو في هذا ولا غرابة فهو عنوان الرواية وبطلها وعمادها.

السفر بين الحياة والموت

خوان بريثيادو _ ابن بيدرو بارامو _ هو حلقة الوصل بين عالم الأموات وعالم الأحياء، إنه القادم من هناك إلى هنا أو من هنا إلى هناك، حسب موقعك أيها القارئ سيكون برثييادو منك، فإذا كنت عزيزي القارئ ميتًا فهو بالنسبة لك قادم من هناك والعكس.

أي أن خوان بريثيادو هو سفير الأحياء إلى الموتى، ومبعوث الموتى إلى الأحياء.. أظن أن هذا هو التكنيك السردي الواضح هنا على الرغم من التعدد والتنوع الشديد في الأصوات، وإن كان الخيط الناظم لها جميعًا هو برثيادو ذاته كراوي أساسي وبيدرو بارامو كموضوع رئيس للرواية.

اقرأ أيضًا: «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» يقدم دعمًا للمشاريع الفنية بـ10 ملايين دولار