المجاملات اليومية.. ذكاء اجتماعي أم نفاق؟

"أنت جميلة.. لقد فقدتِ الكثير من الوزن.. حقًا إن هذا اللون يليق بكِ"؛ هل يومًا فكرت عن النوايا الخفية وراء تلك الكلمات التي قد تسمعيها من صديقاتك أو زميلاتك في العمل، أيعقل أن تكون المجاملات اليومية التي تقولها أغلب السيدات، دربًا من دروب الوهم الاجتماعي الناتج عن الذكاء في التعامل، أو نفاق لأسباب متعددة.

إن المجاملات اليومية التي تظهر على شكل بعض الكلمات المحببة إلى نفس الآخر هي ما ينقذ الحياة الاجتماعية للكثير من السيدات من براثن الحقد أو الحسد، أو الكراهية حتى، والأصل في الأمر أن أسباب تدعوهم لاستعمال هذا الأسلوب في التعامل بشكل شبه دوري.

بالفعل، فإن الوراثة تلعب دورًا كبيرًا في إمكانية التمتع بالذكاء؛ إلا أن تعلّم الذكاء الاجتماعي أو العاطفي يتطور مع التجارب الفاشلة التي قد تعيشها المرأة في البيئات الاجتماعية المختلفة، وهو ما يشار إليه علميًا باسم "اللباقة"، أو "الفطرة السليمة"؛ وذلك وفقًا لما أكده الدكتور رونالد ريجي؛ أخصائي علم النفس الاجتماعي.

الذكاء الاجتماعي

من جهتها، أكدت الدكتورة مريم حمودي؛ أخصائية علم النفس الاجتماعي في تصريحات خاصة لـ "الجوهرة"، أن الطلاقة اللفظية أو مهارات المحادثة المتعددة تعتبر أبرز ما يميز الذكاء الاجتماعي، علمًا بأن تلك المهارات يمكنها أن تتحكم في طبيعة العلاقات الاجتماعية للمرأة سواء في المحيط الأسري أو العملي.

وأضافت: "وعلى غرار بعض الكلمات التي تلجأ السيدات لنشرها في محيط التعامل بين بعضهن البعض مثل: (تبدين جميلة اليوم) قد يتم اعتبارها بمثابة استخدامًا للذكاء الاجتماعي على شكل المجاملات اليومية التي تتحكم في مصير العلاقة مستقبلًا".

وأوضحت: "قد يكون الأمر صحيحًا، بمعنى أن تكون تلك المرأة تبدو بالفعل فائقة الجمال في هذا اليوم بالتحديد؛ لكنه من الذكاء الاجتماعي أن تبدي الأخرى هذا التعليق على سبيل المجاملات اليومية التي تنشرها جنبًا إلى جنب الابتسامة الصادقة، وفي هذا التوقيت بالذات، قد ينتهي الأمر بعلاقة صداقة متينة، أو البوح بسر ما عن العمل، أو ينعكس الأمر سلبيًا بشكل تام".

المجاملات اليومية

استعمال المجاملات اليومية

وقالت الدكتورة مريم: "إن استعمال المجاملات اليومية للوصول إلى قلب المديرة في العمل، أو التسلق في السلم الوظيفي من أهم الأخطاء التي قد تلجأ إليها المرأة العاملة، وهنا يجب أن ينظر مجددًا في طبيعة تعاملها من الآخرين، أما إذا كان من باب الذوق، فالأمر مقبول بالطبع، بل ومحبب أيضًا".

يمكنك بسهولة تحديد شخص لديه الكثير من الذكاء العاطفي في حفلة أو تجمع اجتماعي؛ لأنه يعرف كيفية العمل بين الحشود؛ حيث يمكنه إجراء محادثات مع مجموعة متنوعة من الأشخاص في وقت واحد، علمًا بأن أصحاب الذكاء الاجتماعي يعرفون جيدًا أدوارهم بالنسبة لكل شخص على حدة.

استطردت الدكتورة مريم حديثها قائلة: "إن الذكاء الاجتماعي يعتبر من أهم مميزات المرأة وأبرز مميزات العصر؛ لكن بالطبع يجب الاعتراف أنه بمثابة السلاح الذي يمكن أن يذبح المحيطين بالمتعامل به، فهناك الكثير من القادة حول العالم الذين ذكرهم التاريخ أنهم استطاعوا التحكم في الناس بواسطة هذا النوع من الذكاء الفتاك؛ لذا فإن القليل منه لا يمكن أن يضر الآخرين، وهذا ما يمكن السماح به".

النفاق سبيل آخر

وأضافت: "وعلى جانب آخر، فهناك النفاق، وللأسف فيمكن اعتباره طريقة جديدة للذكاء الاجتماعي، يرتدي فيها الذئب ثوب الحمل، ويأتي على هيئة المجاملات اليومية، لينصب في صالح من يردد عباراته"، موضحة أنه يمكن أن ينكشف الرداء الخادع بسهولة فائقة؛ حيث إن الفرق يتمثل في الاستماع الجيد للآخرين.

في حالة الذكاء الاجتماعي؛ فإن صاحبته تعرف جيدًا التوقيت الجيد للإنصات، أما في حالة النفاق، فإن صاحبته تصب عباراتها الشائكة على طريقة المجاملات اليومية؛ من أجل مصلحتها الخاصة، فيما لا تهتم بالاستماع إلى الآخرين بأي شكل من الأشكال، وهنا يظهر المعدن الأصلي للأشخاص.

قالت أخصائية علم النفس الاجتماعي: "قد يعتبر الأمر بسيطًا أو ساذجًا في معرفة الفرق بين الذكاء الاجتماعي والنفاق؛ لكن الأمر حقيقة واقعية؛ فالإنصات هو مفتاح حل كل الألغاز، لأنه الدليل الأكبر على الاهتمام".

وأضافت: "على الناحية الأخرى، فإذا كنتِ أنتِ من تتخذين من الذكاء الاجتماعي ذريعة للتقرب من الآخرين، فلا يجب الوقوع في هذا الفخ مطلقًا؛ حيث إن القلوب البشرية من أدق الأعضاء التي يجب التعامل معها، وبالتالي لا يجب الاستهانة بها أو التعامل معها وفقًا للمشاعر وابتزازها عاطفيًا، أو بمعنى أصح العزف على وتر حساس كما يقال".

التعامل الإنساني

واختتمت الدكتورة مريم حديثها قائلة: "إن المجاملات اليومية بالقدر المعقول لا يمكنها أن تضر الآخرين، أما إذا كنتِ تستمعين إليها باستمرار، هنا يجب التفكير مجددًا في طبيعة علاقتك بالآخرين، ومعرفة الأسباب التي تجعلهم يلجأون إليها، وبالطبع إن كنتِ تستخدمينها فمن غير المقبول أن يكون السبب يعود إلى التملق، أو محاولة السيطرة على تفكير الآخر، وبالأخير يجب التأكيد أنه من المحزن أن يكتشف الشخص والمراة خاصة – نظرًا لطبيعة مشاعرها الحساسة – أنه يتم التلاعب به سواء بمسمى الذكاء الاجتماعي أو النفاق عن طريق المجاملات اليومية؛ وذلك لتحقيق أهداف شخصية، فكل إنسان لا بد من التعامل معه لشخصه فقط لا غير".

اقرأ أيضًا: جنون العظمة.. كيف ترين نفسك في المرآة؟