يشوب الظروف الطبيعية في عالمنا اليوم عدم الاتزان البيئي بسبب عدم تنمية الوعي البيئي، وتزايد مظاهر اختلال عوامل التوازن الطبيعي واضطراب التكامل بين العناصر البيئية نتيجة الاستغلال السيئ لمختلف الموارد الزراعية والصناعية. والمفارقة أن يحدث هذا رغم التقدم المادي والرقي الفكري والتطور الاقتصادي والاجتماعي في حياة الإنسان. إذ لم يلتفت أحد لتصحيح سوء ما يفعل. ولم ينتبه إلى ضرورة مراجعة نمط معيشته وتقويم سلوكه لتجنب عواقب عدم صيانته وإهماله. وتدعونا شدة التقلبات السلبية في الأحوال الطبيعية المستجدة اليوم في مجال البيئة إلى وقفة تأمل في الخارطة البيئية لمحاولة إعادة النظر في كيفية التعامل مع المعوقات التي تضر بالبيئة وللشروع الفوري في دراسة سبل إبعاد شبح توسُع التلوث البيئي.
إستراتيجية تنمية الوعي البيئي
العالم يحتاج لإستراتيجية تربوية لتنمية الوعي البيئي. وبداية السبيل إلى تحقيق ذلك ستكون من قطاع التربية البيئية لتجسيد عملية بناء المدركات وتنمية المهارات وتحديد الاتجاهات وترسيخ القيم بدء من تقدير العلاقات الجدلية المركبة التي تربط الإنسان وحضارته بمحيطه الحيوي الطبيعي. فبقدر ما يعطيها الإنسان أفضل أساليب الرعاية ويوفر أقصى الظروف لدوام الاهتمام به فكرًا وثقافة وسلوكًا. بقدر ما تعطيه الطبيعة أُكلها خيرًا عميمًا وشفاءً لصحته وسلامته. وكذلك بالعكس فإن ما تجود به الطبيعة بفضل الله من خيرات هو في حد ذاته مدد لتطور حياة الإنسان وتنمية قدراته العقلية والجسدية والنفسية التي لا غنى له عنها فيزيد تقديره لقيمتها وإيمانه بضرورة سلامتها من أي تلوث. ومن هنا ندرك أن أهداف التربية البيئية هي في مجملها تعتبر عملية إدراك لاتجاهات ومفاهيم ولأنماط سلوكية بيئية. فالضرورة تقتضي أن تكون للإنسان أبعاد متعددة في إدراك وتفهم أهمية المحيط البيئي من حوله بل إن الأمر يتطلب المحافظة على هذا المحيط بما فيه من كل الشوائب. فلا يعرضه بذلك لخطر التدهور بفعل الاستغلال الجائر لمعطيات الطبيعة. وعليه فعملية التربية البيئية تكون ذات أهمية كبرى في إعادة صياغة الإنسان لتفهّم الدور الكبير للبيئة من حوله وكيفية المحافظة عليها والتعامل معها بوعي حتى يجد من بعده بيئة صالحة ونقية من كل أشكال التلوث البيئي.
اقرأ أيضًا: السعودية تشارك دول العالم احتفالها بـ«يوم الأرض» بفيلم وثائقي
أهداف التربية البيئية
مما سبق يمكن أن نتلمس أهم أهداف التربية البيئية فيما يلي:
- توسيع مدارك الأفراد والجماعات لبيئتهم الطبيعية ترسيخ معرفتهم بها وبما بها من أنظمة بيئية. وكذلك المعرفة التامة للعلاقة بين مكونات البيئة الحية واعتماد كل منهما على الآخر. بمعنى مساعدة الأفراد والجماعات على اكتساب وتعميق الوعي بالبيئة عن طريق توضيح المفاهيم البيئة. وفهم العلاقة المتبادلة بين الإنسان وبيئته الطبيعية مع تنمية الفهم لمكونات البيئة وطرق صيانتها. وحسن استغلالها باكتساب المهارات في كيفية التعامل مع البيئة بشكل إيجابي.
- كذلك إبراز الأهمية الكبيرة للمصادر الطبيعية ومدى اعتماد كافة النشاطات البشرية عليها منذ إن وجد الإنسان على سطح الأرض لتوفير متطلبات حياته. وفي المقابل لا بد من إبراز الآثار السيئة لسوء استغلال المصادر الطبيعية وما يترتب عليها من نتائج كارثية وآثار سلبية اقتصادية واجتماعية وجب التنبيه إلى خطورتها لتفاديها. ومن ذلك تصحيح الاعتقاد الخاطئ بأن المصادر الطبيعية دائمة ومتجددة لا تنضب، واستبعاد فكرة أن العلم وحده يمكن أن يحل المشكلات البيئية. بينما أن المشكلة الرئيسية في حد ذاتها تكمن في الإنسان نفسه واستنفاده لطاقة المصادر بكل قسوة.
- كذلك توضيح ضرورة التعاون بين الأفراد والمجتمعات عن طريق إيجاد وعي وطني بأهمية البيئة. وبناء فلسفة متكاملة تتحكم في تصرفات الأفراد تجاه مقومات البيئة والمحافظة عليها. بالتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات العالمية والمؤتمرات المحلية والإقليمية لإيجاد حلول عملية ودائمة لحماية البيئة من انعكاسات مشكلاتها الراهنة. ولا يتحقق هذا إلا ممن خلال التحليل العلمي الدقيق للتصرفات التي أدت إلى الإخلال بالاتزان البيئي عن طريق المشكلات البيئية التي يتسبب فيها الإنسان نفسه دون وعي منه طمعًا في الثراء كالإفراط في قطع الأشجار. وتعرية التربة وحرق الغابات للحصول على الفحم. وإزالة الغطاء النباتي لأغراض البناء والتوسع العمراني. وصيد الطيور والحيوانات في غير المواسم المصرح بها الصيد.
مفهوم الوعي البيئي
إن امتداد مجال الحديث إلى عالم تنمية البيئة يرتبط مباشرة بمسألة تعميق مفهوم الوعي البيئي وتشجيع الغيرة الوطنية على البيئة لدى كافة فئات المواطنين. وهذه تتحقق من خلال الاستناد إلى الركائز التالية:
- العمل على تطوير مفهوم شعبي عام لفهم طبيعة التفاعلات البيئية. وتفهّم ضرورة مدى حساسية المحافظة على التوازن البيئي لتجنب تخريبها وتلويثها جوًا وبرًا وبحرًا.
- كذلك السعي الجاد من أجل توفير المعلومات الوافية والإحصاءات الدقيقة للمواطنين عن طبيعة البيئة. وتوضيح المشكلات المتعلقة بها للمساهمة الجماعية بالرؤى والتصورات حول تحديد الأسلوب الأمثل في التعامل السريع. مع عوامل الجفاف والزحف الصحراوي والأضرار الناتجة عن التلوث البيئي.
- أيضًا توفير سبل التدريب المناسب للمواطنين لاكتساب المهارات التي تمكنهم من الإسهام في حل المشكلات البيئية. وتمنحهم القدرة على حسن اقتراح مشاريع مكافحة التلوث البيئي الناجم عن النشاط الإنساني من واقع ومحيط المجتمع.
- كذلك تشجيع المواطنين على التمسك بممارسة حقهم في المشاركة باتخاذ القرارات المتعلقة بالبيئة. على اعتبارها شأن عام يهم كل المجتمع. وعلى المشاركة الفعّالة بإبداء وجهة النظر في كل القرارات التي تتخذ بشأن تحسين البيئة.
أساليب التربية البيئية
يمكن أن يتعمق أثر التربية البيئية في مراحل للتعليم المختلفة، وفي ذلك تتعدد الأساليب في المناهج والكتب تبعًا لطبيعة المنظومة التعليمية في كل دولة، ومن أهم هذه المداخل:
- أسلوب التخصص المتداخل، حيث تتكامل فيه المقررات. ويعتبر سهل التطبيق بالرغم من أنه لا يناسب كثيرًا المراحل المبكرة. لحداثة سن التلاميذ وضعف إدراكهم لأبعاد مشكلات البيئة.
- كذلك أسلوب الموضوعات المتعددة، الذي يهتم بجمع المواضيع والأفكار في مجال التربية البيئية بالإضافة إلى ذلك تداخلها مع العلوم الأخرى. لإعطاء صفة الشمولية والتكاملية في دراسة مشكلات البيئة. وهو لا يحتاج إلى تغيير في الخطة الدراسية.
- أيضًا أسلوب مقرر التربية البيئة المستقل، ويكون مقررًا إلزاميًا يغطي جميع التخصصات.
علاوة على ذلك، تحتاج كل الدول إلى إيجاد وعي وطني عام مدرك أهمية الحفاظ على البيئة ومؤمن بضرورة صيانة الموارد الطبيعية. لذا فالنشأة الأسرية الناضجة والتربية المدرسية الصحيحة هي التي تؤسس أجيالًا واعية ومتمسكة بدوام الحفاظ على البيئة.