الدكتورة رانية خوقير مصمّمة الأزياء: تراثنا أرض خصبة مليئة بالأفكار المبدعة

جدة-هند حجازي:

يُعد تصميم الأزياء السعودية مجالًا خصبًا لإبداع العديد من مصممات الأزياء في المملكة، ولكنَّ القليلات منهنَّ يتخصَّصن في تصميم التراث والرجوع للأصول والتقاليد بشكل عصري، وإضافة ما يميَّز تصميماتهن، ومن هؤلاء المصمِّمة السعوديَّة التي تميَّزت وتفرَّدت بهذا المجال الدكتورة رانية فاروق جميل خوقير؛ مصمِّمة الأزياء التراثيَّة والعالميَّة وخبيرة التراث، والحاصلة على ماجستير من كلية التربية للاقتصاد المنزلي والتربية الفنيَّة بجدَّة، تخصص تاريخ الملابس والتطريز، ومدرِّبة دوليَّة معتمدة.

وضعت رانية؛ بصمتها في عالم تصاميم الأزياء التراثيَّة بشكلٍ عصريٍّ، فهي من المصمِّمات السعوديات التي تطمح لأنْ تجعل دراسة التصاميم التراثيَّة منهجًا في الجامعات السعوديَّة؛ لما تمتاز المملكة بالعديد من التصميمات التراثيَّة، ولكل منطقة ما يميِّزها من لباس يمثِّل عادات وتقاليد المنطقة.

وأجرت "الجوهرة" حوارًا مع مصممة الأزياء التراثية، للتعرف على سبب تخصصها بهذا المجال، والعديد من أسرار تصميم الأزياء التراثية، وإلى نص الحوار:-

*لماذا اخترتي هذا الخط من الأزياء؟

منذ كنت صغيرة وأنا أحب الرسم، وكان يستهويني كثيرًا، ولديَّ ميول للفنون، وبعد الثانوية دخلت كلية التربية وحصلت على بكالوريوس اقتصاد منزلي عام، وأكثر ما كان يلفت نظري هو الفلوكلور والفنون، وكنت أميل للرسم والأعمال اليدوية، ولم أكن أميل للتغذية والتخصُّصات الأخرى، درست وفهمت كل شيء في التخصص، ولكن أكثر ما كان يستهويني هو التطريز وتصميم الأزياء، والخياطة نوعًا ما.

وفي الدراسات العُليا وضعوا أمامنا خيارين: إمَّا تغذية أو ملابس، وأكثر شيء وجدتُ نفسي فيه هو الملابس وفروعها، فاخترتها وكان منها 4 تخصصات: الباترونات، تصميم الأزياء، التطريز والنسيج. في البداية اخترت الباترونات؛ لأني ظننت أنها الأقرب إليَّ من الناحية الأكاديميَّة في مرحلة الماجستير، ثم لم أجد نفسي فيها، بعد أن قضيت فصلاً كاملاً، وبعدها على مسؤوليتي ومسؤوليَّة المشرفة غيَّرت إلى تخصص جميل جدًّا اسمه تاريخ الأزياء والتطريز، الذي يدرس كل شيء عن الحضارات القديمة والتراثيَّة والفرعونيَّة، والفلكلور وتاريخ الأزياء والتطريز وأساليبه وفنونه، ووجدتُ نفسي في هذا التخصص فتحمَّلتُ في الفصل الثاني ودرست الفصلين الأول والثاني معًا، وفعلاً حدث ذلك عن قناعة.

بعد أن غيَّرت التخصص في تمهيدي ماجستير، بالفصل الثاني، اكتشفت أنني أحسنت الاختيار، ونجحت في مجال تاريخ الأزياء والتطريز، وسجلت المادة والرسالة، وأجريت بحثي في أزياء نساء قبيلة حرب بالمنطقة الغربية، وكان -ولله الحمد- رائعًا جدًّا، في ذاك التوقيت كنت أصمم لنفسي ولمن حولي ثيابًا بسيطة، وبدأت مشروعًا صغيرًا مع شريكة سابقة لي وهي (ملاك الليل)، وكانت تلك بداياتي.

*لماذا تخصصتي في هذا المجال؟

أقول إنَّ الإنسان إذا أحبَّ التخصص أبدع فيه، وأنا أحببته ودرست تفاصيله، وأصبح تخصصي المحبب، ولم يكن هواية، بل درست فيه الماجستير والدكتوراة، واتَّخذته عملًا خاصًّا بي، وأحب أن أدرِّب وأدرِّس في هذا المجال، بشغف، فكانت الثياب والعبايات أو بلايز حجاب، أو قطع غُمرة من تحت يدي تخرج كلوحة فنيَّة، وكل قطعة تختلف عن الأخرى، وأيّ قطعة أنتجها أحسُّ أني أحبها بشغف، أني عاشقة للتراث بحب، وأتمنى العالم كله أن يتعلم هذا التخصص.

*ماذا عن تجربتك لضم الكوادر السعودية؟

بالنسبة لتجربتي مع الكوادر السعودية، كان بالاتفاق مع الكلية التقنية في الوحدة الإنتاجية، وكان عام 2016 تقريبًا، في آخر السنة كانت الطالبات يخرجن ويتفقن مع مصممات أزياء أو مصانع خارجيَّة؛ لأنَّ هذه المادة نشاط يتطلَّب أن يبدعن شيئًا ثم ينفذنه، المهم بعضهن ينفذن في الكلية، وأخريات مع المصممات، وأنا أخبرتهن بوقت مبادرة الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، بعنوان (كيف نكون قدوة؟) وموضوع تصحيح العمالة. فقلت لهن أنا المصممة الأولى الحاصلة على الدكتوراة، والوحيدة الدارسة للتخصص بحذافيره، والوحيدة المتمكنة من حرفتي.

وإذا لم أتقدَّم بخطوة للأمام لن يقتدي بي أحد، فقلت في نفسي "عليَّ أن أبادر بعمل مخاطرة بسيطة"، وكانت علاقتي جيدة بإدارة كلية التقنية، فطلبت عمل اتفاقيَّة بأن يكون إنتاجي لتلك السنة بأيدي الخريجات، وأنا أكون المشرفة عليهنَّ مع مشرفتهنَّ، وهن ينفذن تحت عيني تصميماتي بمقاساتي وبمواصفاتي والخامات من عندي، ولابُدَّ أنْ نصبر على بناتنا مثلما نصبر على الخياطات، ونعلِّمهنَّ وندربهنَّ، فطالباتنا أهم وأولى.

واستلمت فعلًا إنتاج بنسبة 70%، كما أتمنى، منتج سعودي بأيدٍ سعوديَّة 100%، والإنتاج جميل، وليس به عيوب كثيرة، وعلى كل مصممة، أو مصنع أن يطبِّق هذه الفكرة، وتوخِّي الحذر ليتلافى السلبيَّات التي قد تواجهه قبل أن تحدث، والحمدُ لله كانت العواقب سليمة، والنتائج وردود الأفعال جيدة، وهنَّ أخذن الثقة عالية في أنفسهنَّ؛ لتمكنهنَّ من وضع أيديهنَّ مع مصمِّمة عالميَّة مشهورة قبلت العمل معهن. وشاع صيتهن في الجرائد.

ولو مثلاً عملت 5 من بين 100 مصممة، في الموسم الثاني، بنفس الطريقة؛ وبعد ذلك يدربن الطالبات الخريجات، وكان هناك حافز وقبول، لانكسر الحاجز بين الخريجات والمصمِّمات، وصارت هناك ثقة لتشغيل القوى السعوديَّة المطلوبة التي كانت بادرتي، ولكن للأسف ما اكتملت! لكن -إنْ شاء الله- سيأتي يوم أستكملُ فيه مبادرتي، وأفتتحُ الدار الخاصَّة بي، وأكمل المرحلة التي بدأتها، وأبدأ من النقطة التي وقفتُ عندها.

* ما نصيحتك للجيل الجديد من المصمِّمات اللاتي يستهوينَّ تصميم التراث؟ 

أقول لهنَّ شيئًا مهمًّا: إنَّ التراث أرض خصبة، فحاولن أنْ تستفدن منه أفكارًا جديدة وجميلة ومبتكرة. فالتراث لدينا لشتَّى القبائل والدول، افتحن الكتب والمراجع، ابحثن عن أصول التراث العربي التقليدي التي بين أيديكن، تعطيكن أرضًا خصبة لأيِّ مصمم أو مبدع يُستوحي من أفكاره.

أنتِ يا مصممة أبدعي.. أنتِ يا رسامة، يا معماريَّة، كل إنسانة قادرة على أن تقدم أفكارًا، فلا داعى لأن تتطلع إلى الموضة الخارجيَّة. ارجعي لتراثك -أكررها ألف مرة- التراث أرض خصبة مليئة بالأفكار الجميلة، فإن فعلتن سيرجع الغرب إلى أفكارنا، وأصولنا ويقتدون بنا.

*مع رؤية 2030.. كيف تجدين المجتمع السعودي ونظرته للمصمِّمات؟

مع رؤية 2030 المجتمع السعودي لم يُنظر للمصممات فقط، بل نود أن نرى السيدة السعوديَّة في كل المجالات مبدعة، سواء مصمِّمة، أو كاتبة، أو مطرِّزة، أو خياطة.

ورسالتي هنا: ليتك تسيرين على أسس سليمة حتَّى لا تكوني فقاعة صابون؛ لأنَّ هذه فرصتك، لو لم تستفيدي من رؤية 2030 المتاحة الآن، فلن تستفيدي في كل حياتك، فتعلمي واقرأي وسيري على أسس سليمة، واستفيدي من أخطائك السابقة وصححيها، فليس عيبًا أن نستفيد من أخطائنا، والآن النظرة للمرأة السعودية أنَّها قادرة على أنْ تقود مشروعات كبيرة.

 *هل واجهتِ صعوبة في بدايتكِ لتثبتي أنَّ المصممة السعوديَّة لا تقل عن غيرها؟

أنا من أوائل الناس الذين واجهتني صعوبات في بداية حياتي، وما زالت لديَّ صعوبات، لأنِّي من المخضرمات، كنتُ ربَّة منزل ودارسة ومتزوجة، والتزامي بتربية زمان (هذا عيب وهذا ما يصير)! فكان عليَّ أن أقنع الأهل بأنَّ العمل ليس عيبًا، فأنا أباشر مشروعي بنفسي، وأراقب عملي، وأنا قادرة على أن أباشر عملى، وأربي أولادي، وأستطيع أن أوفق بين ذلك، ويكون كل شيء على ما يرام بالعقل والهدوء، ومسك العصا من المنتصف، وأقنعتهم أنَّه كما ربيتمونا على الطريقة الصحيحة، فإن السيدة بأدبها وتربيتها تحافظ على نفسها وعملها دون أن تخسر بيتها أو تؤثر عليه فيه.

طبعًا المرأة السعوديَّة لا تقل مهارة وعلمًا عن أيِّ امرأة من جنسيَّة أخرى. بدليل أنَّي درستها في الكليَّة وفي الجامعة، وأعرف قدرتها وذكاءها، وأنْ يدها تلتف بحرير، لكنها تحتاج إلى دعم جامد، وثقة في نفسها وتحتاج أن يقف أهلها بجانبها ويدعموها ويمنحوها الثقة أولاً، وتحتاج زوجها أو والدها أن يقول لها "أنا أثق فيكِ"، وتحتاج إلى دعم المجتمع، فعندما يعرض إنتاجها للسوق يقدمون عليه تشجيعًا لها، ولا يقولون هذه عباية سعوديَّة لا نريدها، نريد عباية إماراتيَّة أو أي جنسيَّة أخرى!!

ونحتاج أن يقبل المجتمع بالمصمِّمة السعوديَّة ويثق فيها، فلماذا دائمًا الثقة والدعم تكون للإماراتيَّات والسوريَّات والمصريَّات أو الأجنبيَّات دون تحديد جنسيَّة؟! لدينا مصمِّمات على أعلى مستوى، وعندي مشروعات للطالبات -عندما درستهنَّ في الكلية والجامعة- لا تقل عن أيِّ مصممة عالمية..

*كيف استطعتِ التوفيق بين متطلبات العمل والمنزل؟

للأمانة لم أقل أنَّني مثالية، لا بُدَّ أن يكون هناك مشكلات طفيفة، لكنَّني حاولت أن أكون زوجة مثاليَّة، وأمًّا مثالية، وامرأة عاملة مثاليَّة بقدر الإمكان، نمسك العصا من المنتصف بحيث لا يتأثر شيء على حساب شيء آخر.

وفي هذه الحالة لابُدَّ أن يكون هناك زوج متعاون، ولا يكون متضايقًا من عملي، فحين أشعر بذلك أهاود قليلاً في موضوع العمل حتَّى لا يتأثر بيتي، فأنا عندي البيت وأولادي أولاً والعمل ثانيًا!، وفترة الدراسة هي رقم واحد، وكذلك أثناء الاختبارات. فأولاً وأخيرًا الأمور تحتاج لسياسة مهاودة وتعاون.

ونصيحتي لمن تعمل مشروعًا وهي متزوجة ولها أولاد، وتخوض التجربة: لا شيء يأتي سهلاً، فلكل شيء ضريبة، ولا بُدَّ من التضحية، فنحن نحاول أن نكون مرنين سياسيين حتى المركب تسير.

 *ما نصيحتك للمرأة العاملة؟

نصيحتي لكل امرأة عاملة أن توازن بين البيت والعمل، والأشياء الأخرى، وتضع لكل شيء ميزانية، وتعمل كونترول حتى لا تضطر في يوم من الأيام لتفاضل بينها، وإن حدث ذلك لا  تختاري على حساب شيء تحبينه، حاولي من البداية أن توازني وتفكري بقلبك ولا تجاملي.

افصلي بين البيت والعمل، استفيدي من خبرات الناس، فكل شيء له خصوصيَّة وأكملي حيث انتهى الآخرون.

ليس عيبًا أن تتعلَّمي من خبرة غيرك، ولا حرج في أن تسألي، وتعترفي بخطئك وتقولي أريد أن أتعلَّم. ابحثي عن نقاط ضعفك وتلافيها (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).

ليس عيبًا إن وجدت عندك فجوة في شيء معيَّن، قوِّيها، خذي وقتك وراجعي وابدأي بطريقة صحيحة؛ حتى لو اضطررت لتغيري نشاطك إذا كان في تغييره نجاح.

*إذا طُلب منكِ إرسال رسالة شكر.. لمن توجهينها؟

لكل إنسان قدَّم لي علمًا أو نصيحة، أو دعمني ماديًّا أو معنويًّا خلال فترة مسيرتي العلميَّة والعمليَّة، وإلى عميلاتي اللاتي آمنَّ بابداعي، فلولاهن -بعد الله- لما كان للنجاح طعم. فإرضاؤهن هو غايتي.

*ماذا تقولي في ذكرى الاحتفال باليوم الوطني الـ89؟

أنتهز فرصة حلول الذكرى الـ89 لليوم الوطني السعودي، وأهنئ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله-  وولي عهده محمد بن سلمان؛ والشعب السعودي النبيل، وجنودنا البواسل على الحد الجنوبي، وأهنئ نفسي بأنِّي إحدى سيِّدات هذا المجتمع السعودي، وأفتخرُ أنِّي بنتُ الوطن.

وأشكر حكومتنا على كلِّ ما قدَّمته للمرأة السعوديَّة، لتكون رائدة أعمال تنافس المرأة العالميَّة بإنجازاتها وعلمها، وقد كنتُ واحدةً منهنَّ -ولله الحمد- ولي بصمتي باليوم الوطني، كنوع من الشكر والعرفان، باستحداث تصميمات تختلف سنة عن سنة. إمَّا باستخدام الطباعة، وتصميم الحاسب الآلي، أو استخدام الشماغ، وعقال الملك فيصل، أو العقال السعودي، واللون الأخضر الحشيشي كرمز للون العلم، أو استخدام التطريز الآلي وشعار السيفين والنخلة.