"الخذلان".. كتاب جديد يرصد "أثر التجارب الحياتية في الإبداع"

احتفت مكتبة "عبد الحميد شومان" العامة، مؤخرًا، بإشهار الإصدار الأول لكتاب "الخذلان" للشاب "غاندي النعانعة"، وذلك ضمن برنامج "قراءات في المكتبة".

وقالت الدكتورة أسماء جاد الله، خلال تقديمها الأمسية للجمهور، إن كتاب "الخذلان"، الذي صدر حديثًا عن دار "الآن ناشرون وموزعون" بعمان، يعد قراءة واعية لأثر التجارب الحياتية في الكتابة الإبداعية، وهو دعوة إلى الفعل الجديد، والحراك الثوري والتحرُّر.

المثقف المأزوم

وأضافت "جاد الله" أن "تجربة النعانعة في (الخذلان) هي ترجمة لهموم المثقف المأزوم، والفنان الذي يشي بالحاجة إلى وجود آخر للتواصل، من خلال التماهي المعبّر عن آلامه وآماله، ومحيطه، وما يعانيه الإنسان المعاصر، في صورة محسوسة لواقعه وعلاقاته بذاته، وبغيره وبالكون".

وتابعت: "لقد استطاع الكاتب التعبير عن رؤيته بلغة محكمة، ومدهشة وشجية، تحنّ إلى المطلق، إلى ما قبل الوجود، في مقاربة عميقة بين الإنسان وبدايته وعلاقاته ونهايته، والنص وتكوينه، وكأن دورة حياة الإنسان هي دورة حياة النص وجودًا وحقيقةً وقدسية".

ورأت "جاد الله" أن "الكاتب توحد مع كتابته، فعايشها كما عاشها، فنجد أن النص حين ينمو داخله، فالكاتب أيضًا ينمو داخله، مُتحريًا إجابة شافية، تكشف عن حقيقة وجوده بعيدًا، رغم هزيمته أمام سلطة الزمن أولًا، وسلطة اللغة ثانيًا، في قراءة النص والذات".

وحول مقدمة الكتاب، أوضحت "جاد الله" أنها "تنبض بتداعيات الذات، والدرامية، وتهيئ للحديث عن أزمة الإنسانية بأزمة النص الأدبي؛ لانعكاسه عنها وعن واقعها، في نثرية مدهشة ذات أفكار ومبادئ وجودية (الذاتية والإرادة والمسؤولية والقلق)، تناولت أثر الزمان والمكان في وجود الذات وانطلاقها، ودور الكتابة الأدبية في صقلها".

وبيَّنت أن المؤلف عُني بحرية الاختيار، والانطلاق في فضاء الإبداع والحياة، مُعبرًا عن التوق إلى التخلص من ألم الوجود والخنوع للموت، بصوته المأزوم، المتحدث عن الذات والآخر. لافتةً إلى أن "الخذلان" كتابة تراوح بين المعرفي و"السيري" خلفًا للانسجام، وبين الشمولي الإنساني والوجداني الذاتي.

ورأت أن "الإرادة والمقاومة والأمل" هي الثالوث الأبرز في "الخذلان" لمواجهة الوجود والعدم؛ لكون الإنسان ضحية التاريخ والقلق المتنامي، في واقع القمع والسلب، وضحية الزمان والمكان؛ لخضوعه بجسده وروحه -فكرًا ومتخيَّلًا- لمجتمعه ونظمه، وواقعه وجنونه، وتاريخه وثقافته.

لغة جامحة وثائرة

وبشأن لغة "النعانعة"، قالت "جاد الله" إن "المؤلف يكتب بلغة عالية مُشعة، بعيدة وإن كانت قريبة، جميلة وشيقة، وفي غير موضع شاعرية، تنزلق من مخاطبة القارئ إلى مواجهة النفس وحوار الذات والآخر، متجاوزةً حدود المسافات الموهومة بين الأجناس الأدبية".

ومن جانبه، قال المؤلف غاندي النعانعة: "يتعرض كتاب (الخذلان) لجملة من المفردات التي تتصل ببلاغة الكلام وجمالياته، ووقوع الجسد والأشياء والكائنات في متن النصوص، وتأثير ذلك في قوة الإنسان أو ضعفه، حيث تجدون في نصوصه أنني توحدت مع الكنايات والمجازات والتشبيهات، التي تعيد تشكيل الواقع بالمُتخيل، وتعاملت مع الكلمات ككائنات بيولوجية تمتاز بالحيوية، والنمو، والسيرة الذاتية، وربما الموت أيضًا".

وأضاف أن "الخذلان هنا ليس إلا نقطة من أجل الثورة على الذات، ومن ثم توجيه الجهد والإرادة الإنسانية نحو مصيرها من غير التفات، باعتبار أن الموت والحياة متساويان في الوجود، وكذلك في الغياب".

الكتابة كفلسفة للحياة

وبحسب "النعانعة" فإن "الكتاب جاء ليؤكد فكرة الكتابة بوصفها فلسفة للحياة، القادرة على توالد النصوص"، مبيّنًا أن البداية الصعبة للنصوص جعلته يبدأ الحياة من سلطة الانطلاقات الواهنة، التي تتخطى الأبَدية.

ورأى "النعانعة" أن "الخذلان" يمثل "كتابة على الكتابة"، أو "نصًّا داخل النص"، ويبحث فيه عن تشكيل الكلام ومعماره، وعلاقته بالمكان والزمان والإنسان والأشياء، وكيفية مضارعة الكتابة للحياة، بضجيجها وصمتها وألمها وجمالها، وخفتها وثقلها".

ويتطرق الكتاب، وفق "النعانعة"، إلى ما يشعر به الإنسان ويعاصره؛ ما يعني أنه يحاول كثيرًا مشاركة آلامنا ومواجعنا مع الأشياء والمسميات، ويحتوي على الكثير من الشاعرية، ورهافة الإحساس، وعصارة الموهبة الإنسانية في تقييد الزمن والاحتفال بالانتصار.

وأشار المؤلف إلى أن "الخذلان" يتضمن حوارًا داخليًّا فعالًا ضد كل ما يضطهد به الإنسان نفسه، وهو حوار مع الآخر؛ لوضع آخر الحدود، وترسيمها بشكل يتيح للإرادة أن تستيقظ مرة أخرى، وتتجاوز المحنة الوجودية؛ للتوحد في جريانها مع ساقية الكون.

يُشار إلى أن "غاندي النعانعة" له مخطوطات شعرية وأدبية قيد التحضير للطباعة، وله العديد من المقالات التي نُشرت في مجلة "أقلام جديدة"، بالإضافة إلى نشره قصائد ومقالات رأي في الإعلام المحلي.