كشف الكاتب والروائي الجزائري البارز “مولود فرعون” في حديث صحفي أجراه عام 1953م، أنه كتب روايته “ابن الفقير” قبيل اندلاع حرب التحرير على ضوء شمعة ووضع فيها جزءًا من ذاته.
وأردف قائلًا: إنه متعلق بشكل كبير بكتابه، لأنه لم يكن يأكل كل يوم، في حين كان الكتاب يولد من قلمه، ورغم الجوع بدأ يتعرف على حقيقة قدراته.
وثالثًا لأن رواية “ابن الفقير” لم تكن مجرد قصة اختلقها من خياله بل هي قصة جيل كامل ولد أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر.
ولأنه شعر بالخلل يسود كل جوانب الحياة. فالصراع بين الأصالة وما يمليه المستعمر كان على أشده، العادات غير العادات، ولغة التعليم ليست اللغة الوطنية. وأن الخطر شيء يجب التعود عليه.
سيرته الذاتية وحياته
ولد مولود فرعون بمنطقة تيزي هيبل بالجزائر سنة 1913م، في عائلة فقيرة. التحق بالمدرسة الابتدائية بقرية تاوريرت موسى في ولاية تيزي وزو.
كان يقطع المسافات الطويلة الوعرة سيرًا على الأقدام كل يوم من منزلة إلى المدرسة في ظروف بيئية صعبة وأحوال مناخية قاسية وأحوال أمنية خطيرة.
وبرغم حالته الاجتماعية المزرية ثابر واجتهد وواصل صراعه المرير مع واقعه التعيس، تحت ضغط تجاوزات الاستعمار الفرنسي حتى صار من النجباء. فالتحق بالثانوية ومنها انتقل إلى مدرسة المعلمين بمنطقة بوزريعة في الجزائر العاصمة.
كذلك رغم وضعه البائس الذي ظل يلازمه، تمكن من النجاح والتخرج ثم اندفع للعمل بنفس المدرسة التي استقبلته تلميذًا. فأعطى من علمه لأطفال قريته، وضرب المثل الأعلى في القرية التي احتضنته.
في سنة 1957م، انتقل من قريته إلى الجزائر العاصمة مديرًا لمدرسة نادوربكلو سالم بيه، في حي المدنية، وتولى عدة مناصب أخرى. ولكنه بقي دائمًا مهمومًا بقضايا شعبه والواقع السيء لوطنه، خصوصًا بالمدن الكبيرة.
رواية “ابن الفقير”
جاءت أول رواية له “ابن الفقير” تؤرخ لحياة طبقة معينة عاشت قسوة تلك الفترة. أحداث الرواية تدور في قرية صغيرة نجح في وصف أزقتها وتقاليد أهلها بدقة. فهو يكتب بعين مفتوحة وكأنه يشرح ذكرياته في التعليم ومسار كفاحه الذي أخرجه من دائرة المعاناة نسبيًا.
في رواية “ابن الفقير” قدم لنا الأديب الكبير صورة كاملة عن المجتمع القبائلي الذي ينتمي إليه. خلال سنوات الثلاثينيات الماضية، وهو بذلك يكشف بصدق عن الملامح العميقة للمجتمع الجزائري من خلال شخصيات عائلية. العم والأخ، والجدة، والأخوات توزعت عليهم الأدوار الاجتماعية والمواقف الفكرية.
ومن خلال تفاعلها مرر تصوراته عن الحياة والوجود والعائلة والشرف وكل ما يرمز للقيمة الفطرية للإنسان العامر بالفضيلة وبالخير. حتى هؤلاء الفقراء لا أحد منهم ادعى يومًا أنه فقير أو استشعر الفقر في ذاته؛ لأنه مملوء بكل ما يعني له الإحساس بالرضا حتى وإن كانت حقيقة الأوضاع مزرية، وأن كل ركن في الحياة يدل على أشكال من الفقر المركب بعضه على بعض.
سئل مولود فرعون يومًا لماذا يكتب باللغة الفرنسية؟ فأجاب أنه يريد أن يبلغ فرنسا رسالة أن الجزائريين لا ولن يكونوا فرنسيين. فهو يناضل ضدهم بلغتهم ليبعدهم عن الدروب الوعرة التي تعشق القبائل الجزائرية.
إنه يستخدم الأدب كوسيلة للنضال وللدفاع عن الهوية، فالثقافة هي الوجه الثاني للمقاومة بعد السلاح.
وهي مرتبطة بالمكان لأنه محور النزاع بين قوة المستعمر وأصحاب الحق في الوطن.
في 15 مارس 1960م، أغتيل مولود فرعون، رفقة 5 من أصدقائه داخل مقر عمله برصاص أفراد من تنظيم “الأقدام السوداء”- عصابات الجيش السري الفرنسي- عقابًا له على دعمه قضية بلده وعلى دوره في إيقاظ الوعي الشعبي وإثارته ضد الاستعمار.

من مؤلفاته
- ابن الفقير 1940 (تمت ترجمتها إلى 25 لغة عالمية)
- الأرض الدم 1953
- الدروب الوعرة 1957
- أيام قبائلية 1954
- أشعار سي محند، 1960 (أحد أعلام الشعر الأمازيغي)






















